استيهامات_2

...

30 يوليو 99

هذه الأرملة تذكرني بايزابيلاَّ الكاثوليكية. ملكة قشتالة, فالكلمة التي تتردد دائماً على لسانها هي كلمة "الاسترداد". إنها تريد "استرداد" رسائل جي ديبور إلى أصدقائه حتى تحصل على فرنكات ذهبية من جاليمار التي قررت اثبات صواب اطروحات المواقفي المنتحر في السوق، بتحويل هذه الأطروحات نفسها إلى سلعةٍ – مشهدٍ في المجتمع السلعي – المشهدي الذي يبدو أنه باق معنا – ضدنا بقاء البرغوث في أكواخ البؤس.

...

3 أغسطس 99

عندما زار محمد فريد باريس في صيف 1895، كان حريصاً على زيارة سراي الإنفاليد والوقوف أمام قبر من الرخام الأحمر يحتوي رفات الكورسيكي الذي كان قد انتابته الحيرة في صحراء سيناء العارية وهو يرى بدواً يسجدون على الرمل لشيء مجرد تماماً... كانت حيرة الجنرال الشاب ممتزجة بالافتتان، فهذا الهارب من حضارة أوروبية مزعجة، كان يبحث عن غرائبية الشرق وأسرار الموت المصرية... تُرى، عن أي شيء كان يبحث محمد فريد في زيارة الانفاليد؟
غير بعيد عن السراي، يوجد متحف رودان... أنا شخصياً لم أجد مبرراً لزيارة السراي، فقد كنت بحاجة إلى البحث عن أسرار الوحدة، ولذا كان من الطبيعي أن أذهب إلى رودان... كنت بحاجة إلى أن أرى اليد الوحيدة، اليد الوحيدة في الفضاء...

...

5 أغسطس 99

تتحدث سامية بمرارة عن العمر الذي يتسرب من بين الأصابع بسبب مجرد التباسات، ولا يبدو أنها تدرك أن هذا المصير ليس فريداً، فحياة الملايين كحياة الأفراد، لا تزال محكومة بناموس الالتباس الذي أثبت، حتى الآن، أنه أقوى من قانون الإدراك الصافي لحقائق الأشياء والمشاعر... هذا ما دفع عصمت أن تقول لي ذات مساء أن حيواتنا، الزائفة تماماً، يمكن أن تنهدم في ثوانٍ لو كان بوسع كل إنسان قراءة المشاعر العميقة للإنسان الذي ينام في فراشه...
أردتُ أن أساعدكِ على التحرر من الالتباس ومن الخوف، لأن الخوف لا يمكن أن يجعل الإنسان سعيداً. وبالرغم من الوضوح التام لهذه الحقيقة، فقد شنقوا فاليه وأحرقوه لأنه تجاسر على إعلانها... أرجو ألاَّ يكون مصيره مصيرنا...

....

6 أغسطس 99

امرأة بريتون التي لها عينان من ماء للشرب في السجن لم تكن معي في أعوام 1975 و1980 و 1985 ... لكنني التقيتها مع ذلك قبل أيام... كانت، هذه المرة، ترنو إلى نافورة الماء، وبدا لو أنها كانت تريد أن تخلع ثيابها وتستحم في الماء المنبجس من الصخر الرمادي، لا لشيء إلاَّ لكي تعبر عن سعادتها...
تكتسب ملامحها فجأة صفاء ملامح إيزادورا دنكان وهي تتحدى خجل الجمهور المرائي وتعلن أن الجسد الانساني جميل جمال الحياة... الحياة التي دعا تروتسكي الأجيال القادمة إلى أن تطهرها من كل عسف وعنف وخوف وإلى أن تهنأ بها حتى الثمالة...
أخاف عليها إذ أرى الإيشارب الأحمر الذي يطوق جيدها... وعندما أخاف أدرك من جديد أن لا معنى لتخفيف حدة النبيذ...

...

7 أغسطس 99

يقول ديبور أننا نشبه زماننا بأكثر مما نشبه آباءنا وأمهاتنا...
لمَّا كان زماننا مريضاً بلا أمل في الشفاء، فمن الواضح أننا كلنا مرضى، وما يحتاج اليه المرضى هو أن يكونوا رحماء فيما بينهم، كالمؤمنين الأوائل، لأن العالم قد خلا من الرحمة...
ليس جميلاً بالمرة أن يتشاجر المرضى المحتضرون فيما بينهم... هذا يَحولُ دون سماع خفقان القلب ولا يجعل الوداع مؤثراً...

0 التعليقات: