أحمد راسم_3


ماروخا القرطبية

الغجرية النحيلة التي سألتها عن طالعي عند زاوية السكة الفسيحة، تقول لي: "كفك لا تروق لي. اسْتَعِدْ قطعة نقودك وأرني عرض ظهرك.
لماذا لا ترحل ياصاحبي؟ ولماذا هذه الابتسامة
فجرحك مفتوح؟
على حافة الماء نساء معتوهات كحزمات من قصب السكر.
أرم لهن قبعتك وسوف يمشين فوقها.
وداعاً، يا ابن روحي، وليكن الزمن لك لا عليك.."
إذ ألحف في السؤال ويدي ممدودة،
تقول الغجرية النحيلة مستسلمة:
"تأمَّل هذه الخطوط .. إن حياتك أرض بور..
كل زهرة تلمسها تذبل..
بعضهم يزرع الشر في طريقك،
كي تجنيه أنت.
لكن ما الذي يهمك
وأنت تملك في قلبك الصخرة.
لا تكذب، فأنا أراها.
يوماً ما، رمت شقراء هزيلة
في قلبك
صخرة حبها،
حبها الأنثوي،
صخرة سوداء عظيمة.
تستقر الصخرة في القلب
وإلى الأبد..
لكن لماذا هذا الابتسامة وجرحك مفتوح؟
على حافة الماء غير بعيد عن الدير، نساء ينشدن أغنية شجية شبيهة بأغنية النوافذ الملونة التي تلف صورة عذرائنا بالنور. لتهتد خطواتك إليهن.. ولتملأ أصواتهن قلبك بالسكينة..
يا ابن روحي،
إن الآلام التي تنتظرك
تشبه أمواج البحر
تتراجع أمواج.. لتفسح المكان لأمواج أخرى
وهذا سر صفاء قلبك..
يوم ولدت
سقطت قطعة من السماء.
وإلى أن تموت،
سوف تظل السماء على هذه الحال،
لكن اسمع:
لا تعد إلى وضع خلاصة ثقتك
على تنورة، حتى وإن كانت من الحرير.
ماروخا هي التي تصرح لك بهذه الأقوال الغامضة،
ماروخا، امرأة، مكروهة أكثر .. من دون جميع النساء..
لكن قل لي، أيها البائس ذو العينين اللتين من زيتون أسود:
فيم تستخدم هذا المظهر لراع صغير وقلبك، كما الوردة، له
أشواك صدئة؟
الوردة فقدت عطرها..
لا تنظر هكذا إلى هذه المرأة التي تمر.
إنها العذراء الوحيدة في هذه القرية اللعينة.
والآن، يا ولدي، يمكنك أن ترحل.
إن أحببتني يوماً،
عد وقل لي
لكن على مهل
كي لا أموت.."





*






كونشيتا






في وشاحك الأسود، ترقصين رقصة بلادك الإشبيلية.
يداك تبدوان كما لو كانتا تنثران على البلاط المرمري نثاراًمُسْكِراً ولاذعاً..
لكن ذراعيكِ الخطرتين تتضوعان بعطر وحشيّ يذكِّر المرءبأزهار شجر الزيتون..
تأسرنا فتنتكِ المتموجة، وجسدكِ الغادر الرهيف رهافةالسيف..
لردفيكِ رقة البندول الغريبة، البندول الذي تختزل كلّ حركةفيه مشوار عمرنا..
ليس ما يأسرنا خطوط وجهكِ لا ولا خطوط جسدكِ الغادرالمثير
بل اللهب الذي يضيء
نظرتك العطشى
للدم..
الماتادور يدفع الثور الضخم إلى الجنون ويوقظ فيه وحشيةإنسانية، إذ يلوح له بوشاحه الأحمر الذي يشبه منديلعرس..
حمرة شفتيكِ تثير أعصابي الخشنة وتحرك فيّ شهوة ضارية..
فترفقي يا امرأة
بالبدائي الحامل في قلبه الذي من الشمس ألق رمال الصحراءورقة النخيل المتمايل !..
أيتها المرأة التي لها عينان من ثمار برية،
ما دام دربانا متقاطعين فاسمعيني:
إن غيابكِ يقتلني
لكنني أموت إذ أراكِ
فاغرزي في قلبي خنجراً
ببطء،
لكن ببطء شديد،
كي لا يأفل عذابي سريعاً..






(مدريد 1927)






أغنيات أسبانية لا تُنسى





(1)






حين أمرُّ ببابكِ،
أشتري خبزاً آكله
كي لا تخامر أمكِ الظنون
لكنها تقول لي:
لا تَعُدْ إلى رمي الحصى عبر نافذتي
أمي غيرت موضع فراشي.






(2)





الأرض والسماء تبتسمان اليوم لي،
اليوم تضيء في أعماق روحي شمس..
رأيتها اليوم؛ منحتني اليوم نظرة..
اليوم أومن بالرب.
عالم لقاء نظرة..
سماء، لقاء ابتسامة.
لقاء قبلة، لا أعرف
ماذا أهبها لقاء قبلة..






(3)






التنهدات من الهواء وإلى الهواء تذهب.
الدموع التي من الماء تذهب إلى البحر؛
لكن قولي لي، يا امرأة،.. هل تعرفين
إلى أين يذهب الحب حين يموت؟







ترجمة بشير السباعي
(عن الأصل الفرنسي)

0 التعليقات: