جورج حنين_12

مبدأ الهوية -1

تَكَتَّمَ اسمه
كماء راكد
حيث الأحجار عند سقوطها
لا تترك أية دوائر

هبط نحو الآلهة
غير مصدق وإن كان صبوراً
تقدم في ليل الآلهة
مفعماً بالتضحية بصورته هو
مفعماً بتماثله مع الشقاء

وعندما دخل مدينة السماء
تحدث أحدهم عن البيات الشتوى المطلق
أوصدت أبواب البيوت
كما تُوصدُ أبواب الفخاخ
بين الرجل والمرأة
لم يعد هناك غير الحد الرهيف
لسيف طليطلي

الحرمان من المغفرة
يعيد العالم
إلى أيدٍ لا تتحرك.

*
مبدأ الهوية – 2


يضحي المرء بصورته هو
مثلما كانوا يقدمون القرابين البشرية في الزمن الغابر

عرفت إنساناً
لم يكن يتعيش إلاَّ على توجسات الآخرين

كان يتحرك أحياناً كمتنزه ضرير
صريعاً للشحوب له إيماءات عباد الشمس

كان يجلس أحياناً في وسط المدينة
وإذ يحدث رنين قطع عملة محظورة
يتصور أنه مُحاسِبُ وحدتنا

كان يتصور أنه يحمل اسماً عكس اسمٍ
وينكر أن الشقاء يماثله

يهلك من باب السهو أو من باب النزق
وفي السديم الصباحي
امتزج نَفَسُهُ اللاهثُ بأعذار الجلاد.
*
ضريبة الحياة


أنا الإنسان الجالس على جانب الطريق
ذلك هو الوقت المناسب للكتابة إلى الأصدقاء
الكتابة مع صون الكلمات
مع سلخ الأصوات
مع رمي أولئك الذين يكتفون بالنظر
على رأس أولئك الذين يكتفون بالفهم
وهذا يحدث دائرة زرقاء واسعة حول العينين
لا يبرأ منها المرء.

أنا الذي يجلس على جانب الطريق والذي يُبقي أعداءه
تحت رحمة ضجره.
والذي يتوجب في نظره التدقيق في كل شيء.
طال أمد العمر أم قصر
ليس لذلك شأن كبير
ليس لذلك شأن كبير بالنسبة للإنسان الذي يثأر
من هوان شأن الإنسان.
*
الانشقاق العظيم


انتبهوا إلى الكنوز التي لا يطالب بها أحد
إلى التلميذ الصبور والصموت
المنسي منذ زمن بعيد في ركن معتم
إلى التلميذ الذي يباغت الأحلام
الذي يخفف مرارة الحياة
الذي يبتدع امرأة مثلما نجهز سفينة
الذي يرى ما وراء حائط الإغلاق
ما وراء الجبال
ما وراء البحار
الذي كان ليكون بالفعل في أقصى العالم
إن لم نكن هناك لكي نكلمه عن الجَزْر.

انتبهوا إلى ذلك الهدب للجنون الخالص
على جبين سيدة قصر
وإلى برودة أعمدة على هامش صدغيها
وإلى صرختها التي يلم الليل فيها
تعب الطيور

انتبهوا إلى تلك النباتات الوقحة
التي تنحشر بين الكائنات
والتي تعطيها في نهاية المطاف حق
ادعاء الافتراق.

*
الغافلة


الصدقةُ المتلقاةُ في قلب الأجمة
الإهانةُ المتلقاةُ في حميمية القبر
الفرحة المتلقاةُ على الوسادة
الصرخة المتلقاةُ في قلب الفم

نعرفُ كنوزنا

لكن هذه القروية التي لا تتعرفُ على نفسها بيننا
والتي ماعادت الأجراس تدقُ لها إلاَّ سراً
حيث نتلقى الجراح التي تتوسل إلينا حملها

لم يبق لها غير خمسين برجاً من الفرو
خمسين شرفة طليقة الأجنحة
خمسين خادماً أشقر كخمسين نمراً
خمسين بئرأ بلا قاع لخمسين نجماً بلا سماء
أوه أيها المَرِح أيها الهش
ربما لم يبق لها سوانا.
*
الحقيقة الأكيدة

إلى إقبال

أكلمك لأن الليل
لا يهبط البتة من تلقاء نفسه
أكلمك لأن الليل
ملكية ضائعة
نقود يجيء بها الحظ
الأرجوحة الخائبة
للبهلوان المزخرف الثوب
شيء طائش عند قدميك العاقلتين
زينة تلك العابرة التي تقتادها الشرطة
فم يتوجب إطعامه
فم يتوجب حفره بصرخة
البوتقة السوداء التي تتمرد فيها ألوان الرسام
أكلمك لأن الليل
يلمع من ألف شرفة مجهولة
بعضها على مدخل
جميع الممتلكات الممكنة
وبعضها الآخر وراءها
أكلمك لأن الليل
قد خلق من فرط الأحلام
وليس فقط لكي نحلم
أكلمك من كابينة صماء تجاه كل الرسائل
المستَقْبِلُ الشائخُ بين عريشة النبات المتسلق والندى
يجرجر وجوداً أكثر روعة في غموضه من الكلام
أكلمك لأن الليل هو في آن واحد
بوتقة التعزيمات السوداء
وزينة تلك المرأة التي يقتادونها دون طائل
وتلك الكابينة – الشبح الجانحة في
وشيء ما أكثر من الوقت المباح التحايل عليه
ومن الصمت المتاح للبيع.
*
بفارق وجه


أيتها المرأة التي بلا حكمة
أيتها المرأة المستندة إلى الريح
المستندة إلى شقاء أكثر مما يمكن أن تحتمله
الموسيقى الثابتة التي يصعد فيها تنفس الأحلام
المتوسل.
أيتها المرأة التي بلا شائبة
إن النداءات التلغرافية
سوف تبحث عنك في صميم أروقة الدم
حيث تذوب البراءة في يديك
منذ نهاية المشهد الأول
أيتها المرأة ذات الصمت الذي بلا طائل
ذات الارتجاج الداخلي المديد
حيث يزول دنس القلوب الغجري
أيتها المرأة ذات الأثر النيلي
الأصعب على التعرف عليها مما على تحيتها
إن المرايا تسخر سخرية محزنة هذا الصباح
لكن الكلام يدور عنك في لغة من لا يملكون شيئاً
الكلام يدور عنك في لغة الصبا الصباحية
الكلام يدور عنك في لغة الدغل الأخوية
الكلام يدور عنك في لغة العواصم المتحجرة
حيث الابتسامات باهظة الثمن.
*
في البعيد

في البعيد
في المكان
في المكان المسمى مكان الرهان
هناك حيث نحتقر النظام
هناك حيث نحتقر الأسرار الميتافيزيقية
هناك حيث لا يتكيف أحد مع شيء.

في مكان الطفل المتأرجح
الذي لا تحسن النباتات المتسلقة رعايته
ولا الأعشابُ ولا
الأشياءُ المجهولةُ
- طفت بالعالم، قال كافر كانت تتدحرج
تحته الأحجار-
رأيت مدناً بلا أسنان وراق لي
أن أجد نفسي بينكم، بعد كل هذه الأهوال،
أوه، أيها البشر الذين ليست لهم
أية غاية.
*
كان ذلك زمناً آخر


كنا جالسين تحت ساعة دون غيوم
كما لو كنا عند نبع الزمن القصير
كانت الفتاة الصغيرة الأقرب تتحدث بالسنسكريتية
وسألها أحدهم عن طريق لا وجود له.
وراءنا قرية
ذات عيون يوسع حدقاتها وقت الفراغ.

كنا نشاغب مداعبات
بقيت طويلاً على نوافذ المطر الزجاجية
وكان الصدأ يبلغ أطراف أصابعنا.
أطفالاً يجيئون بعد فوات الأوان وعاطلين
لا تصلح وجوههم لأحد
نترك العشب ينمو حولنا
كما لو كان حاجة آثمة
ونحلم بالاختفاء
مستترين أخيراً بهذه النزوة طويلة الأهداب
مستثنين من كل حضور ومن كل مكان.

كان ذلك يوماً موشى بالنسيان
ككنيسة باروكية
يوماً لا يملك القدرة على الاستيقاظ
وعلى أن يرانا ونحن في الشحوب.

ترجمة بشير السباعي
عن الأصل الفرنسي

0 التعليقات: