جورج حنين_5

شذرتان حول ماهية الإبداع الأدبي

العمل الأدبي ليس أفيشاً انتخابياً. هذا لا يعني أن الأدب [...] يجب أن يكون غير سياسي. ليس هناك ما هو أقل صدقاً. إن ما يجب إبرازه هو أن الأدب يحتفظ بحق عقد صلة مع جميع عناصر الحياة، ومن ثم مع السياسة من حيث هي أحد هذه العناصر، شأنها شأن الرياضة، أو العلم أو الصناعة. لكن الأحوال تسوء حين لا يلتفت الكاتب إلى السياسة ولا يرصد الحياة الاجتماعية إلاَّ لحساب حزب أو برنامج. إن ما يقوم به عندئذ هو الدعاية. ومن الممكن أن يقوم بذلك على نحو رائع أو بصورة بائسة. وليس لذلك أهمية تذكر. فمن المفروض أن الكاتب يربض على قمة يُقَيِّمُ منها المجتمع والسياسة والإنسان تقييماً حراً. والحال أن الداعية لا يحكم من أعلى إلى أسفل، وإنما من أسفل إلى أعلى؛ فهو في السياسة لا يرى سوى الحزب، وفي الإنسان لا يرى سوى المتحزب. وهو يظل في جميع الأحوال أسفل الإنسان. هذا هو ما يحدث مع أراجون ولا نملك سوى الأسف لذلك.

من مقال "أجراس بال لأراجون"
مجلة "أنيفور"، عدد فبراير 1935


ربما جاز الاعتراف بأن الشعر يمثل تجربة المصالحة الوحيدة المحاولة عبر القرون. ففيه تكف الكلمة عن أن ترتد ضد الإنسان. وإنما، على العكس من ذلك، تزيده رحابة، تنتشله من هزيمته اليومية. الكلمة، شأنها في ذلك شأن الأشياء المحسوسة والحقائق الواقعية الحسية تقريباً، تساعد الإنسان على أن يعي اتساع رغباته، وكثمن شيطاني يتعين عليه سداده لقاء هذا الانتصار الأخير – تساعده بأن تعرض عليه بلا توقف أكثر هذه الرغبات غواية.

وبفضل هذه المصالحة يمكن للشاعر أن ينظر إلى ما وراء المرئي، أن يهدد بشكل لا يكل أبعاد حياته هو، أن يعرض صورة قصره على الشاشة الرديئة للآخرين، جاراً إياهم صوب ما يحسن الرغبة فيه، مايحسن الحلم به، ما يحسن امتلاكه أو نسفه بالديناميت، ما يحسن سداده للحياة – فالشاعر، شأنه في ذلك شأن الساحر الذي تساعد تعاويذه على استثارة التجليات المنشودة، يسمي الكائنات والأشياء التي ينادي في آن واحد حضورها ونفورها على الأرض. وهو يسميها بشكل خاص، بانفجار يمضي من الرقة إلى العنف، وهو ما يشكل التأكيد الشعري.

1944
ترجمة بشير السباعي عن الأصل الفرنسي

0 التعليقات: