عقيدة المصريين القدماء الرمزية

إدوين بولاك


في زمنٍ لم تكن فيه فكرة الله قد وُجدت بعد، كان البشر يكوِّنون لأنفسهم تصوراتٍ متباينة عن الحياة والكون. والتصورات التي تستحق أكثر من سواها جذب انتباهنا، لكونها الأكثر قرباً من الحقيقة، هي تصورات المصريين القدماء.
لقد كانوا يرون أن الحياة تتركز في كل ما يمارس الفعل، أي في النوع الحيوانيّ وفي النوع البشريّ.

وقد لاحظوا أن الحياة لا تمارس الفعل إلاَّ من جراء فعل الشمس، وهو واقعٌ دقيق يؤكده العلم الحديث.
ورغبةً منهم في ترجمة هذا التصور بشكل مرئيّ، فقد جمعوا في تمثالٍ رمزيٍّ واحد بين النوع الحيوانيّ، مُمَثَّلاً تحت شكله الأقوى، جسد الأسد، والنوع البشريّ، ممثلاً تحت جانبه الروحيّ، الرأس البشرية.
وهذا التمثال هو أبو الهول، رمز الحياة.
وبما أن الروح هي التي تهيمن في الحياة، فإن الروح هي التي تعلو وتهيمن على تمثال الحياة.
ولإبراز الصلة التي توحد الحياة بالشمس، فقد جعلوا الشمس الوجهة التي يتجه إليها أبو الهول.

كما لاحظ المصريون أن الحياة تتطور في الزمن؛ وأن الزمن هو وحدة تتجدد تجدداً أبدياً، متألفة هي نفسها من أربعة فصول تتعاقب على دوراتٍ منتظمة، وأن اجتماع هذه الفصول الأربعة يُشَكِّلُ السنة وهي وحدة زمنية.
ومن ثم فقد مثلوا فصول السنة الأربعة بأربع زوايا لمتوازي أضلاع منتظم، متحدة بقمة مشتركة شأنها في ذلك شأن الفصول في الزمن. والأثر الذي نتج عن ذلك هو الهرم، رمز الزمن أو الأبدية.
ودقة هذا التفسير تنشأ عن واقع أنه في الهرم، فإن كل وجه من وجوهه الأربعة له ثلاث جوانب، تتشكل من خلال تقاطعات مسطحات الهرم، وهذا التكوين الثلاثي يتطابق مع التكوين الثلاثي للفصول، التي يشغل كل منها ثلاثة أشهر من السنة.

وترتبط صورة أبي الهول ارتباطاً لا ينفصل بصورة الهرم، تماماً كما أن الحياة ترتبط ارتباطاً لا ينفصل بالزمن الذي تتطور فيه والذي تستمد منه خصائصه.
فالحياة، شأنها في ذلك شأن الزمن، لها فصولها: الربيع والصيف والخريف والشتاء. وكما هي الحال في الزمن، فإن كل فصلٍ من فصول الحياة الأربعة له تقسيمه الثلاثي.

فالربيع، عند الإنسان، هو الشباب، المقسم هو نفسه إلى الطفولة والصبا والبلوغ؛ والصيف هو الزواج وتكوين أسس الأسرة وتكوين الأسرة، والخريف هو تربية الأجيال الجديدة وتوجيه جهودها في عمل الحياة وتكوين أسر جديدة من بين الأسرة الأولى، والشتاء هو الضمير المستريح إلى المهمة المنجَزة وهو سلام الروح والنفس وهو الخلود إلى الراحة.
وهكذا تظهر الحياة كصورة مصغرة للزمن، تحت شكل واعٍ وفعال.

وقد لاحظ المصريون أخيراً أن الحياة تنتظم مسيرتها حول مسار الشمس؛ أن كل يوم من حياة الإنسان يتضمن، ككل سنة وكالحياة نفسها، أربعة أوقات تتطابق مع الأوقات الأربعة للساعة الشمسية؛ وأن الزمن، في مسيرته المتجددة بلا نهاية، ليس في النهاية غير انعكاس لمسار النجم الشمسي المتجدد بلا توقف.

وهكذا فقد كانوا مدفوعين إلى أن يروا في الشمس، كما هي الحال تماماً مع العلم الحديث، المركز الميكانيكي للعالم.
وبما أن الأوقات الأربعة لليوم تجد مركز اجتماعها في اللحظة التي تكون فيها الشمس في الذروة، فقد رأوا في شمس الظهيرة نقطة تركز الحياة الكونية.

وسعياً منهم، كعادتهم، إلى أن يجعلوا هذا التصور مرئياً، فقد أقاموا أثراً له قاعدة رباعية الأضلاع، وهي قاعدة تتطابق مع الأوقات الأربعة لليوم أو للزمن، تتصاعد متصاغرةً إلى أعلى وتنتهي بقمة هرمية، هي رمز الأبدية.
وهذا الأثر هو المسلة، رمز الشمس المنظور إليها كمركز ميكانيكي للعالم.

ومن ثم فإن أبا الهول والهرم والمسلة هي رموز.

وفيما بعد، سوف يرى المصريون في ذلك شيئاً آخر، فسوف يرون في أبي الهول عبادة الشمس وسوف يعبدون الشمس، وسوف يرون في الهرم وعد الأبدية وسوف يتخذونه قبراً.


ترجمة: بشير السباعي
مقتطف من كتاب "الإيمان" الصادر بالفرنسية
عن دار بيرتييري إي فانزيتِّي، ميلانو، عام 1925.

2 التعليقات:

أحمد يقول...

ومن ثم فإن أبي الهول والهرم والمسلة هي رموز.

وصوابها

ومن ثم فإن أبا الهول والهرم والمسلة هي رموز.

مع احترامي العميق لمجهودك

بشير السباعي يقول...

أشكرك يا أحمد