إيحاء غريب


بشير السباعي



يكرس أدونيس بحثه عن "الصوفية والسوريالية" للمقارنة بين التجربة الصوفية والتجربة السوريالية كتجربتين في النظر والكتابة، وهو يجد مشروعية هذه المقارنة في كون التجربة الصوفية تصل الإنسان بذاته العميقة وبما يتجاوز الواقع الذي يحجبه عن هذه الذات وفي كون السوريالية تخلص الإنسان من اغترابه، أو من غيابه، في هذا الواقع. ويوضح أدونيس كيف يتم ذلك بالنسبة للتجربتين على المستوى الفلسفي والإبداعي، بما يؤكد أن الصوفية شكل من أشكال السوريالية الخالدة يمكن مقارنته بالسوريالية التاريخية.


وما يثير الدهشة في بحث أدونيس ليس هو عقد مثل هذه المقارنة ولا التوضيح الذي يقدمه لمشروعيتها بل هو تلك الفقرة الاستهلالية التي يقول فيها:
"الصوفية والسوريالية: عنوان قد يثير استنكاراً، أو على الأقل اعتراضاً، لا من الأشخاص الذين يعنون بالسوريالية، وحدهم، وإنما أيضاً من أولئك الذين يعنون بالصوفية. وسواء كانت هذه العناية، في الجانبين، سلبية أو إيجابية، فإن الجمع بين هذين الاتجاهين قد يكون موضع استغراب".


والحال أن هذا الكلام لا يرمي إلا إلى شيء واحد: الإيحاء بأن القارئ لابد له من أن يتعامل مع البحث الأدونيسي باعتباره كشفاً رائداً لعلاقة كانت، حتى ذلك الحين، مجهولة!


لكن رصد العلاقة بين الصوفية والسوريالية ليس من الأمور التي تستحق جهداً كبيراً. وفد أشير إلى هذه العلاقة من جانب نقاد عديدين.
وهكذا، ففي ربيع 1938 قال ليون تروتسكي لأندريه بريتون، خلال زيارة الأخير إلى كويواكان:
"إنكم تتذرعون بفرويد، ولكن ألا يفعل عكس ما تفعلون؟ إن فرويد يرفع الوعي الباطن إلى الوعي. ألا تحاولون كبت الوعي تحت اللاوعي؟" (نقلاً عن جان فان هيجنورت: مع تروتسكي في المنفى، من برينكيبو إلى كويواكان، 1978، ص 122).


وفي شتاء 1949، أورد ميشيل كاروج كلام بريتون في "بيان السوريالية الثاني": "إن كل شيء يدفع إلى الاعتقاد بأن هناك نقطة معينة في الفكر تكف عندها الحياة والموت، الواقعي والخيالي، الماضي والمستقبل، ما يمكن إيصاله وما لا يمكن إيصاله، الأعلى والأسفل، عن أن ينظر إليها بشكل متناقض. والحال أنه من العبث البحث عن دافع آخر للنشاط السوريالي غير الأمل في تحديد هذه النقطة". (بريتون: بيانات السوريالية، 1985، ص ص 72-73. تختلف ترجمتنا لهذه الفقرة، جزئياً، عن ترجمة أدونيس لها. – ب. س.) ثم قال:
"ذلكم هو مفتاح السوريالية.
" إن هذا المفهوم عن نقطة عليا، تعلو جميع التناقضات... يصاغ بشكل سافر خاصة في بعض كتابات القبالة (حركة صوفية يهودية ظهرت في القرن الثاني الميلادي. – ب. س.) فوفقاً للزوهار (نص رئيسي للقبالة نشر في القرن الثالث عشر الميلادي. – ب. س.) تعتبر النقطة العليا هي النقطة الأولى التي خلق الإله العالم بدءاً منها. والسوريالية كما عرفها بريتون فلسفة ملحدة، لكنها تبنت تحت شكل دنيوي وغير ديني تماماً هذه الفكرة عن نقطة عليا، عبارة عن بؤرة حية للكون" (مارك إيجيلدينجر، (م): أندريه بريتون، أبحاث وشهادات، 1949، ص 69).


ومن جهة أخرى، فإننا نظن أن مما لا معنى له أن جورج حنين، أحد أبرز ممثلي السوريالية التاريخية، قد عكف على قراءة الحلاج (ساران أليكسندريان: جورج حنين، 1981، ص 9).


فلماذا يريد أدونيس الإيحاء للقارئ بأنه يقدم له اكتشافاً جديداً؟.

0 التعليقات: