بشير السباعي: العولمة أكثر مراحل الإمبريالية بربرية

الثقافة > كتبت مى ابو زيد

روزا أونلاين
العدد 1633 - الاثنين - 1 نوفمبر 2010



لم يكن صدور كتاب "الامبراطورية وأعداؤها..المسألة الامبراطورية في التاريخ" حديثا عن المركز القومي للترجمة، هو السبب الوحيد للقاء بشير السباعي مترجم الكتاب، فالسباعي الذي ترجم أكثر من ستين كتابا عن اللغات الفرنسية والروسية والإنجليزية، من هؤلاء المترجمين الذين يحملون مشروعا، ينصب علي ترجمة الأعمال التي تتناول التاريخ الحديث والمعاصر للمنطقة العربية، مدفوعا بالإيمان بأنه يترجم ما يريد هو نفسه أن يقوله، إلى هذا الحد أوذاك. وربما لهذا اعتبر ترجمته لمجلدات "مسألة فلسطين" للمؤرخ الفرنسي هنري لورنس، هي مشروعه، الذي حصل بموجبه علي جائزة "رفاعة الطهطاوي" في الترجمة عن المركز القومي للترجمة هذا العام.


وفي حوارنا معه، أثار السباعي قضايا عديدة تتعلق بقصور الأعمال التاريخية العربية علي الاطلاع علي الأرشيفات الأجنبية، ووضع كتابات المستشرقين، كما تناول هجوم علاء الأسواني علي المستشرق الفرنسي ريشار جاكمون، ولم ينس أن يوضح رأيه في الإمبريالية الجديدة،وإلي نص الحوار:


متي بدأت العمل بالترجمة وما سبب تركيزك علي ترجمة الكتب الفكرية والتاريخية بالأخص؟

- بدأ اهتمامي بتوسيع درايتي باللغتين الإنجليزية والفرنسية قبل تخرجي بعامين من قسم الدراسات الفلسفية والنفسية بكلية الآداب جامعة القاهرة، والسبب وراء هذا الاهتمام، كان رغبتي في توسيع معرفتي، وبعد تخرجي عملت مترجما بوزارة الإعلام حتي تقاعدت عام 2004، أما تعلمي الروسية فقد بدأ عام 1968 إلي عام 1972 وكان في إطار مدرسة اللغة الروسية بالمركز الثقافي السوفيتي بالقاهرة.

وترجمت أعمالا أدبية متنوعة، لكن شاغلي الأساسي كان التركيز علي الأعمال التي تتناول التاريخ الحديث والمعاصر للمنطقة العربية.


ألا تري أن ترجمة كتاب لمستشرق قد لا يكون علي دراية كافية بمصر والوطن العربي أمر مقلق؟

- لا.. أغلب المستشرقين الذين ترجمت لهم أعمالا، سبق لهم أن أقاموا فترات مهمة، إلي هذا الحد أو ذاك، في المنطقة العربية، وعلي سبيل المثال فقد أقام الفرنسي هنري لورنس فترات مهمة في بيروت والقاهرة والكويت قبل أن يشرع في تأليف مجلداته الضخمة تحت عنوان "مسألة فلسطين"، أما الفرنسي ريشار جاكمون فقد أقام في القاهرة، بشكل شبه متواصل، فترة لا تقل عن 15 عاما، ، وكتابه "بين كتبة وكتاب" الذي يدور حول الحقل الأدبي في مصر المعاصرة، هو في الأصل أطروحة دكتوراه، نوقشت وأجيزت بجامعة "إكس آن بروفانس" وهو حاليا أستاذ الأدب العربي بهذه الجامعة، ومن ثم فإن من يزعم أن ريشار جاكمون رجل لا علاقة له إطلاقا بالأدب، شخص جاهل.


بمناسبة الحديث عن ريشار جاكمون، ما رأيك في اتهامات علاء الأسواني له بأنه حمل أجندة سياسية؟

- كل مثقف يحمل أجندة سياسية بالطبع، ولكي نتعرف علي أجندة جاكمون السياسية يجب أن تتم دراسة ما أنجزه في حقل الترجمة من الفرنسية إلي العربية، ضمن برنامج طه حسين للنشر، الذي أشرف بأنني كنت من المتعاونين المصريين مع ريشار في إنجازه، ومحصلة هذا البرنامج النهائية تتألف مما لا يقل عن مائتين وخمسين عملا من الأعمال الفرنسية المهمة، وقد أسهم هذا البرنامج أيضا في إعادة نشر ترجمات سابقة كترجمة الراحل محمد مندور لرواية فلوبير "مدام بوفاري"، وأنا أعرف أن ريشار بذل مجهودات شخصية كبيرة للحصول علي دعم لهذا البرنامج من مؤسسات ثقافية فرنسية، لأن الميزانية الرسمية لهذا البرنامج كانت غير كافية.


لماذا اعتبرت أن ترجمة مجموعة مجلدات كتاب "مسألة فلسطين" لهنري لورنس، هي مشروعك الكبير؟

- لقد ساهمت المسألة الفلسطينية في صياغة التاريخ المصري المعاصر، والشاهد علي ذلك هو تلك الحروب التي دارت بين مصر والدولة الصهيونية منذ عام 1948 حتي عام 1973، ونظرا إلي أن الأعمال الصادرة بالعربية عن هذه المسألة لا تعتمد إلا علي جانب من الأرشيفات، دون الوصول إلي جوانب أخري، فالمؤرخون المصريون غالبا لا يجيدون سوي لغة أو اثنتين أجنبيتين علي الأكثر، الأمر الذي يحد من تواصلهم وتعرفهم علي مختلف أرشيفات المسألة الفلسطينية الموجودة بالعديد من اللغات، هذا كان وما يزال يشكل قيدا علي الكتابة التاريخية عن مسألة فلسطين، ومن جانب آخر نجد قيدا إضافيا يتمثل في الطابع الأيديولوجي لأغلب الكتابات العربية، مما يحول دون تكوين صورة موضوعية عما حدث ولا يزال يحدث بالفعل، التحيز السياسي وارد لكن خارج نطاق الكتابة التاريخية الموضوعية، وبالنسبة لكتاب "مسألة فلسطين" متعدد المجلدات سوف نجد أن هذا أضخم عمل تاريخي من جانب مؤرخ فرنسي واحد حول موضوع بذاته في القرن العشرين، بعد كتاب سوبول عن تاريخ الثورة الفرنسية.


وهل تنطبق هذه السلبيات علي جميع الكتابات العربية؟

- أظن أنها سلبيات عامة، فأزمة 1881- 1882، المصرية تتألف مصادرها الأرشيفية، إلي جانب المصادر الأرشيفية الفرنسية، والإنجليزية والتركية، من مصادر ألمانية وروسية، ودون الاطلاع علي هذه المصادر الأخيرة، يصبح من الصعب الإلمام بكل جوانب هذه الأزمة، والحال أن مؤرخا روسيا قد استعرض قبل ثلاثين عاما الأرشيف الروسي حول هذه الأزمة في دراسة من 3 أجزاء، وهذا الاستعراض لا يزال حبيس اللغة الروسية، فماذا عن الأرشيفات المتاحة التي لا بد من الوصول إليها من جانب المؤرخين المصريين، هذا يتطلب إجادتهم اللغة الروسية.


ماذا عن المؤرخ اللبناني جلبير الأشقر الذي قمت مؤخرا بترجمة كتابه حول "العرب والمحرقة النازية"، هل يمكن القول إنه بعيد عن هذه السلبيات؟

- جلبير مفكر لبناني يجيد العربية، ويجيد الفرنسية التي كتب بها الكتاب، كما أنه يجيد الإنجليزية، وهو علي إلمام جيد بالألمانية والإيطالية والإسبانية، نحن هنا بإزاء مؤرخ يجيد عدة لغات، وهو من ناحية أخري يسترشد ببوصلة منهجية موضوعية صارمة تنزع إلي التدقيق في الحقائق التاريخية، وإذا ما خامره شك تجاه نقطة أو أخرى، فإنه يتصل بزملائه الباحثين المتخصصين والعارفين لهذه النقطة ليقف علي آرائهم.


لماذا لم يستقبل المصريون كتاب "العرب والمحرقة النازية" الاستقبال اللائق كما حدث بالخارج؟

- داخل مصر، هناك بالطبع تقصير ملحوظ من جانب المعنيين بالمسألة الفلسطينية، في عرض هذا الكتاب ومناقشة أطروحاته، وهذا التقصير مجرد ملمح من ملامح التقهقر الثقافي العام في بلادنا، ومن جهة أخرى فالكتاب ضخم الحجم ويباع بمبلغ ثمانين جنيها، مع العلم بأنه صادر عن هيئة غير ربحية، مما يعني أن الأمر يتطلب تخفيض أسعار الكتب الصادرة عن تلك المؤسسات غير الربحية.


صدر لك حديثا كتاب "الامبراطورية وأعداؤها" في رأيك ما أهمية هذا الكتاب، في وقت يري فيه البعض أن الامبريالية بشكلها المباشر تشهد تراجعا؟

- الامبريالية لم تنته، وإنما تتنكر، واسمها الحالي هو العولمة، والعولمة الحالية هي أكثر مراحل الامبريالية بربرية، وتشهد علي ذلك الحروب الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ويشهد علي ذلك أيضا اتجاه الرأسمالية خلال الأزمة الاقتصادية التي لا تزال جارية إلي تحميل الملايين من الفقراء نتائج الأزمة، بتحويل أموال الضرائب إلي دعم البنوك والشركات المفلسة بدلا من إنفاقها علي الخدمات، الأمر الذي أدي إلي انفجارات طبقية مهمة في بلاد كاليونان وإيطاليا والولايات المتحدة وإسبانيا ومؤخرا جدا فرنسا، ومن الذي يقول لنا إن القوات الأمريكية التي تشارك في هذه الحروب الإجرامية في الشرق الأوسط لن يأتي عليها هي نفسها اليوم الذي تطلق فيه النيران علي العمال في شوارع نيويورك وديترويت؟


ومن الذي يقول لنا إن الشركات الأمنية الخاصة التي تمارس جرائم الحرب في الشرق الأوسط لن يتم استخدامها قريبا في سحق الانتفاضات العمالية في كل أرجاء الولايات المتحدة؟!، مثل هؤلاء القتلة مستعدون لإراقة دماء بني وطنهم مقابل المبلغ الضخم الذي يحصلون عليه يوميا.


وبماذا يمكن توصيف مثل هذا الصراع؟

- هو صراع طبقات لم يغادر مسرح التاريخ، والذين قالوا وداعا للطبقة العاملة لابد لهم أن ينتبهوا إلي أن الوداع سوف يكون للرأسمالية، فالطبقة العاملة تهز شوارع المدن الفرنسية، وتشل الاقتصاد الرأسمالي، وملامح الصراع الطبقي لن تختفي إلا باختفاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

0 التعليقات: