قناع النبي – حكايةٌ عربية

نابوليون بونابارت
ترجمة بشير السباعي


في عام 160 للهجرة، كان المهدي يمسك بزمام الأمور في بغداد، وقد شهد هذا الأمير العظيم، الكريم، المستنير، الشهم، ازدهار الامبراطورية في ظلال السلم والأمن. وبما أن جيرانه كانوا يخشونه ويراعون جانبه، فقد انكب على العمل على ازدهار العلوم والإسراع بنجاحاتها، لكن السكينة ارتبكت بسبب ابن حكيم الذي شرع، من أعماق خراسان، بتكوين أشياع له في جميع أرجاء الامبراطورية. وكان ابن حكيم، الفارع القامة، والذي كان بليغاً بلاغة جازمة ونزقة، كان يزعم أنه رسول الله، وقد دعا إلى أخلاق طاهرة عزيزة على أفئدة الجماهير: فقد كانت المساواة في المكانات وفي الثروات هي الشعار الأساسي لخطبه. وقد انتظم الشعب تحت بيارقه. وكان لابن حكيم جيش.
وقد تحسس الخليفة والخبراء ضرورة أن يخنقوا في المهد هذه الانتفاضة الجسيمة الخطر، لكن قواتهم منيت بالهزيمة عدة مرات، وعلى مدار جميع الأيام كان ابن حكيم يحرز غلبة في أثر غلبة.

على أن مرضاً فظيعاً، ترتب على مكابدات الحرب، أدى إلى تشويه وجه النبي. ولم يعد هذا النبي أجمل العرب؛ إن هذه الملامح النبيلة والفخورة، وهاتين العينين الواسعتين والمتقدتين، قد تشوهت، وأصبح ابن حكيم أعمى. وكان بإمكان هذا التحول أن يؤدي إلى كبح حماسة أنصاره؛ فخطر بباله أن يرتدي قناعاً فضياً.

وظهر وسط أشياعه. لم يفقد ابن حكيم شيئاً من بلاغته. وكان لكلامه القوة نفسها. وقد تحدث إليهم وأقنعهم بأنه لا يرتدي هذا القناع إلا لكي يحول دون أن يعمي النور الذي يفيض من وجهه أبصار البشر.

وقد اعتمد أكثر من ذي قبل على هذيان الشعوب التي أثار حماستها، عندما أدت خسارة معركة إلى تخريب أعماله واختزال أنصاره وإضعاف إيمانهم. وقد حوصر، وكانت الحامية قليلة العدد. يا ابن حكيم، يجب أن تهلك وإلا فإن أعداءك سوف يأسرونك! عندئذ يجمع أشياعه ويقول لهم: "أيها المؤمنون، يا من اختارهم الله ومحمد لإحياء الإمبراطورية ولرد الاعتبار إلى أمتنا، لماذا يثبط عدد أعدائنا عزيمتكم؟ اسمعوا: في الليلة الماضية، بينما كنتم كلكم غارقين في النوم، سجدت وناديت الله: "يا ولي أمري، لقد حميتني على مدار سنين عديدة، وأنا أو الذين معي لابد أننا نذنب في حقك فها أنت ذا تتخلى عنا!". وبعد ذلك بهنيهة سمعت صوتاً يقول لي: "يا ابن حكيم، إن الذين لم يهجروك هم أصدقاؤك الصادقون وهم وحدهم المختارون، وسوف يتقاسمون معك ثروات أعدائك المتكبرين. انتظر القمر الجديد، واعمل على حفر خنادق عميقة وسوف يسقط فيها أعداؤك كذبابات دوخها الدخان".

وسرعان ما حفرت الخنادق، وجرى ملء أحدها بالجير. وجرى وضع براميل مليئة بالنبيذ على الحافة.

وبعد أن فرغوا من هذا كله، تناولوا وجبة جماعية، وشرب الجميع من النبيذ نفسه وماتوا بأعراض واحدة.

ثم جر ابن حكيم جثثهم إلى الجير حيث تحللت فيه، وأشعل النار في المشروبات الروحية وألقى بنفسه فيها. وفي الغداة، كانت قوات الخليفة تزمع الزحف، لكنها توقفت عندما رأت البوابات مفتوحة. وأخذت تدخل بحذر ولم تجد غير امرأة، هي عشيقة ابن حكيم، التي كتبت لها النجاة من بعده.

تلك كانت نهاية ابن حكيم، الملقب بالبرقعي، والذي يعتقد أشياعه أنه قد رفع إلى السماء مع جماعته.

هذا المثال غريب لا يكاد يصدق. فإلى أي حد يمكن لجنون الشهرة أن يمضي!


----------
كتب بونابرت هذه الحكاية العربية إما في عام 1788 أو في عام 1789.

0 التعليقات: