صرخات_4


1953


جويس منصور



ظلُّكَ الذي بلا فم
غرفتكَ التي لا باب لها
عيناك اللتان بلا نظرة
بلا حنان، بلا لون
خطواتك التي تتوجه
دون أن تترك أثراً
نحو الضوءِ ذي الأصواتِ المُؤَرِّقة
الذي هو جحيمي


*


أيها الكلب الهائج، الغارز أنفه في الأرض
المنتفخ الرأس بصرخات مطاردة الحب
الحب الضائع.
أوراق شجر الغابة تعرفه
تطارده بأيديها الخمرية
أيها الكلب الهائج، الحيوان الذي بلا سند
فلتتغذَّ على دم الفقراء
لكي تكون محبوباً يجب أن تكون قاسياً.
أيها الحيوان، إذا كنت تريد أن تكون مستأنساً
بع روحك للبشر.


*


في مخمل أحشائك الأحمر
في ظلمة صرخاتك غير السرية
توغلتُ.
والأرض تتوازن باكية منشدة.
بينما أنا أنتظر مفعول السم
دم شيطان هو الغضب المبصوق
تبصقه حيوانات مذبوحة.


*


نفَسُكَ المشهوق في فمي
يداك اليابستان ذواتا الأظافر المدببة
لا تحررُ أبداً حلقي الملتهب
الملتهب من العار، من الألم، من اللذة.
شفتاك البنفسجيتان تمتصان دمي
ستغويك دائماً شهواتي المُطفأة
بينما عيناي ستبقيان مغمضتين.


*


ترتجفُ من الخجل
لكنك تحب أن ترتجف
تتأوه من الرعب
لكن دموعك عذبة.
تتوارى عن مرآي
راجياً ألا أجدك.
أنت تريد دمارك.


*


أريد أن أبدو عارية أمام عينيك المبتهلتين.
أريد أن تراني أصرخ من اللذة.
أن تدفعك أعضائي التي تتلوى تحت ثقلٍ جد فادح
إلى فعالٍ كافرة.
أن يتشبث شعر رأسي المباحة الناعم
بأظافرك المقوسة من الهيجان.
أن تقف أعمى ومصدقاً
ناظراً من فوق إلى جسدي العاري من الريش.


*


جسدكِ الصغير الهزيل الملفوف في الساتان
غرفتكِ الوردية المتدثرة بالصمت
عيناكِ الجائلتان بين الأثاث الفاخر
مصطدمتين في الظلمة بالفئران الميتة على الوسائد
ونحن الذين نترقب نزعك الأخير
لكي نفُضَّ وصيتكِ.


*


امرأةٌ واقفةٌ في مشهدٍ عارٍ
النورُ الساطعُ على بطنها المنتفخ
امرأةٌ وحيدةٌ، امرأةٌ بلا رذيلة ولا صدر
امرأةٌ تصبُّ احتقارها في أحلامٍ دون ضجعة
سيكون السرير جحيمها.


*


أحبُّ رؤية وجوههم المذعورة.
إنهم لا يحتملون رؤية الموت.
يريدون فوراً حبسه بعيداً عن رعبهم.
وبينما لا يزالون متشحين بحدادهم
يمارسون الحب لكي يدفنوا على خير وجه
ذكراه المتحللة.


*


فتحتُ رأسك
لأطلع على نواياك.
التهمتُ عينيك
لأتذوق نظرتك.
شربت دمك
لأتعرف على رغباتك
ومن جسدك المرتجف
صنعتُ غذائي.


*


عيناي تلمعان في السماء الشاحبة
رأسك المخضرُّ يرتسمُ جانبياً على أرض الوادي.
تدعو إليك حيوانات الصحراء
فتجيء دون صخب لكي تطوف بالقبور
القبور التي بلا اسم، بلا زهور، بلا ظل
قبور الموتى، الذين بلا أكفان، غير البعيدة عن وجه الأرض.


*


عنقك ساريةٌ معلقٌ عليها
جسدك المتأرجح في الفراغ يتوسل إليَّ
يتوسل إليَّ أن أنفخ في فمك المفتوح
الكلماتِ الضعيفة
لرغبتي.


*


طفلك في ذراعيك.
رأسه يميل جانبياً على غيهب صدرك
عيناه اللتان بلا رؤية، يداه اللتان بلا فريسة.
جسدك يتوسل إليَّ
أن أقدِّم حياتي
رهينة.


*


بين أصابعك
فمي
بين أسنانك
عيناي
في أحشائي
إيقاعك الضاري
يقشر جسدي
المجبول من أحاسيس غضَّة.


*


حمى، عضوكَ سرطان بحري
حمى، القططُ تتغذى من أثدائك الخضراء
حمى، سرعةُ حركات حقويك
سرعةُ قبلاتك الفاحشة، تقطيباتك
تفتح أذنيَّ وتسمح بالولوج لهيجانك.


*


امرأة خَلَقَت في نفسها الشمس
وكانت يداها جميلتي المنظر.
انشقت الأرض تحت قدميها الخصبتين
وغطتها برائحتها النارنجية
وهكذا أنجبت الصفاء.

*


رحمٌ صغير، رقيقٌ وأصفر
رحمٌ صغيرٌ مشعر
ساقان صغيرتان ملتويتان مشعرتان
جين الصغيرة المحدودبة
امرأة صغيرة تنتظر اغتصابها
عارية تماماً، عارية تماماً..


*


راقدةً على فراشي
أرى وجهك منعكساً على الجدار
جسدك الذي بلا ظل الذي يخيف جسدي
رهزاتك المسعورة والإيقاعية
تقطيباتك التي يهرب منها كل أثاث الحجرة
إلاَّ فراشي المثبت بعرقي الخادع
وأنا التي تتحسب المرارة
دون غطاء ولا أمل


*


لي روحٌ قلقة.
تسكنُ قرب بحيرة هي عيناي الغائرتان.
تثور تحت شمس صلواتي الحامية
تنام وأحلامها ترتجف تحت جلدي
خالقةً المرارة في قلبي المغرد.


*


كم من الغراميات دفعت سريرك إلى الصراخ؟
كم من السنين غضَّنت عينيك؟
ما الذي أفرغ صدرك المنهك؟
نظرت إليك بعينيَّ السابرتين للأغوار
فتفجرت أوهامي
تاركةً خلفها
شيخوختك
العاجزة عن الرد على أسئلتي.


*



محارةٌ تنجر على شاطئٍ مهجور
بإصبع شارد يداعب البحر
تترك خلفها أثرها المثير للعاب
تجتذب رغماً عنها العدو.
يقترب ويشلها بيد متطفلة
يُخرج روحها من سريرها الرخو
ويمتص عذابها.


*


بلا شعور تنزلق نحو جنون الأحلام.
بلا شعور تنقفل عيناك عن الحياة
حدقتاك المتسعتان تغرقان في المحيط العاري.
يسقط فمك وهو يفرغ طفح
مخكَ الذي بلا سلاسل رسوٍّ
لسانك المشلول.
القاعةُ، القاعةُ كلها تتشنج منتظرة
هلوساتِكَ.


*


فليستفزك نهداي
فأنا أريد هياجك.
أريد أن أرى عينيك متثاقلتين
أن أرى خديك وهما يبيضان إذ يتغضنان.
أريد ارتعاشاتك.
فلتنفجر بين فخذيّ
ولتلبَّ رغباتي على الأرض الخصبة
لجسدك الماجن.


*


البيت الفارغ المظلم الذي تطوف به الأشباح
خطواتنا تسبقنا، تتبعنا.
الغرف المسكونة برؤى غير متحققة
بأشياء يستحيل كنهها
البيت الفارغ، الفارغ، الفاقد المعالم.
رأسك الحبيسة، عيناك
الزرقاوان المتلهفتان دون احتشام
تتسلط علينا، تنادينا
تحشو فمنا
خبزاً أبدياً وكريهاً.


*


رذائل الرجال
ميدان اختصاصي
جراحهم مغانمي اللذيذة
أحب أن ألوك نواياهم الخسيسة
لأن دناءتهم تصنع جمالي.


ترجمة بشير السباعي عن الأصل الفرنسي


0 التعليقات: