أحمد صادق سعد


(1919-1988)


بشير السباعي


ولد أحمد صادق سعد في يناير 1919 في شبرا باسم إيزيدور سلفادور لأب حرفي يهودي كان قد نزح إلى مصر من تركيا، هو رافاييل سيمون سالتييل، الذي كان أجداده قد نزحوا إلى الامبراطورية العثمانية أثناء طرد اليهود الجماعي من إسبانيا في عام 1492، ولأم بورجوازية صغيرة يهودية ولدت في أوديسا، الميناء الأوكراني الواقع على البحر الأسود، هي صوفي بيرليافسكي، التي عاصرت المذابح المعادية لليهود في أوكرانيا خلال العهد القيصري.


وقد حصل أحمد صادق سعد على تعليمه قبل الجامعي في مدارس فرنسية في مصر ثم تخرج من كلية الهندسة في أوائل الأربعينيات.


وكانت اللغة الفرنسية – حتى تخرجه – هي اللغة الرئيسية التي يتحدث ويقرأ بها. إلا أنه سرعان ما تمكن - في وقت قياسي – من تعلم اللغة العربية والكتابة بها، خلافاً لكثيرين من أقرانه من المثقفين اليهود ذوي الأصول الأجنبية. وهو ما يدل على أن أحمد صادق سعد كان قد قرر – منذ وقت مبكر – البقاء في مصر وربط مصيره بمصير البلد الذي ولد ونشأ فيه.


وقد ارتبط أحمد صادق سعد في صدر شبابه – خاصة عشية الإبادة الهتلرية لليهود في ألمانيا – بعدد من الحركات الشبابية اليهودية المناهضة لمعاداة السامية، مؤكداً بذلك تحرره التام من مؤثرات الصهيونية التي اعتبرت مناهضة معاداة السامية عملاً عبثياً ورأت حل المسألة اليهودية في تجميع يهود الشتات في فلسطين. ويبدو أنه كان يدرك إدراكاً جيداً أن الصهيونية لا تبدأ إلا مع الكف عن النضال ضد معاداة السامية واليأس من إمكانية تطبيع الحياة اليهودية داخل المجتمعات التي يحيا اليهود فيها.


وعندما قرر عدد من المثقفين اليهود الأجانب الرحيل عن مصر إلى فلسطين – ولو مؤقتاً – إثر اقتراب قوات المحور من مصر في عام 1942، قرر أحمد صادق سعد البقاء في مصر. وكان قادراً على إدراك أنه إذا ما قدر لهذه القوات احتلال مصر، فلن يكون هناك ما يحول دون اجتياحها فلسطين. وتنظيم مذبحة جماعية لليهود هناك. ولذا فقد رأى أن الخيار الوحيد المناسب هو الصمود والمقاومة لا الفرار.


وقد ارتبط أحمد صادق سعد في أواخر الثلاثينيات بـ "الرابطة السلمية" التي كان الشيوعي السويسري المعروف بول جاكو ديكومب قد أسسها في مصر إثر مؤتمر أمستردام, إلا أن الرابطة سرعان ما حلت نفسها إثر نشوب الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939.


وغداة حل "الرابطة السلمية"، شارك أحمد صادق سعد في تكوين "جماعة البحوث"، والتي ركزت على إعداد دراسات عن الواقع الاجتماعي المصري المعاصر وعن تاريخ الحركة القومية المصرية.


وفي عام 1941، شارك أحمد صادق سعد في تأسيس "لجنة نشر الثقافة الحديثة" التي ترأسها سعيد خيال، والتي نظمت عدداً من الندوات التي كان يتردد عليها مثقفون يساريون من مختلف الميول.


وفي عام 1942، شارك في تأسيس "جماعة الشباب للثقافة الشعبية" التي مارست النشاط – حتى عام 1945 – بين صفوف العمال في منطقة السبتية بالقاهرة وبين صفوف الفلاحين في منطقة ميت عقبة بالجيزة. وقد حلت هذه الجماعة نفسها في عام 1945 لتحل محلها "لجنة العمال للتحرر القومي – الهيئة التأسيسية للطبقة العاملة" والتي تولت إصدار مجلة "الضمير".


وفي عام 1945، نشر أحمد صادق سعد كراس "مشكلة الفلاح". وقد دعا هذا الكراس إلى تحديد حد أقصى لملكية الأرض الزراعية لا يزيد عن خمسين فداناً، وإلى مصادرة الأراضي التي تزيد عن هذا الحد وتوزيعها على الفلاحين المعدمين وإلى إنشاء تعاونيات زراعية إنتاجية. وقد ربط الكراس إجراء هذه التحولات بتحول جذري في الهيكل الاجتماعي – الاقتصادي للبلاد.


وترى الباحثة السوفييتية إيفانوفا أن كراس "مشكلة الفلاح" هو أول معالجة ماركسية للمسألة الزراعية في مصر. وفي عام 1945، شارك أحمد صادق سعد في إصدار مجلة "الفجر الجديد" وأسهم بالكتابة فيها – بتوقيع "أحمد سعيد" أو "نهاد" – حتى إغلاقها في يوليو 1946 ضمن إطار الحملة المعادية للشيوعية التي شنها إسماعيل صدقي.


وفي عام 1976، أعاد أحمد صادق سعد نشر هذه الإسهامات الصحفية تحت عنوان "صفحات من اليسار المصري" صدَّرَها بتناول انتقادي لتجربة الحركة الشيوعية المصرية.


وفي عام 1946، شارك أحمد صادق سعد في تأسيس منظمة "الطليعة الشعبية للتحرر"، وتولى قيادة هذه المنظمة حتى منتصف عام 1948. وقد غيرت هذه المنظمة اسمها في عام 1951 إلى "طليعة العمال" ثم في عام 1957 إلى "حزب العمال والفلاحين الشيوعي المصري". وعند توحيد الحركة الشيوعية المصرية في عام 1958، جرى استبعاد أحمد صادق سعد من الأجهزة القيادية للحزب الجديد، كجزء من سياسة "تمصيرية" عامة لهذه الأجهزة.


وفي عام 1946، نشر أحمد صادق سعد كتاب "فلسطين بين مخالب الاستعمار"، وهو ثاني كتاب يساري يصدر باللغة العربية في مصر عن الصهيونية، حيث كان أنور كامل قد نشر قبل ذلك بعامين كتاب "الصهيونية". وقد استفاد أحمد صادق سعد في فهم المسألة اليهودية ومضاعفاتها من كتاب أوتو هيلر: "اضمحلال اليهودية"، الذي كان قد صدر بالألمانية في فيينا في عام 1931 والذي اطلع عليه أحمد صادق في ترجمته الفرنسية الصادرة في باريس في عام 1939. وقد تعرض أحمد صادق للاعتقال في عام 1946 ثم في عام 1948.


وعند صدور قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر 1947، عارض أحمد صادق سعد القرار على صفحات نشرة "الهدف" الشيوعية السرية، إلا أنه اضطر إلى التراجع عن هذه المعارضة إثر انتهاء حرب فلسطين، مسايراً بذلك الخط السوفييتي الرسمي تجاه المسألة الفلسطينية.


وعندما بلغت الحملة المعادية للشيوعية ذروتها في عام 1959، تعرض أحمد صادق سعد للاعتقال وظل معتقلاً حتى عام 1964 (1).


وبعد حل المنظمات الشيوعية لنفسها، انصرف أحمد صادق سعد إلى البحث والكتابة وإلى إعادة النظر في تجربة الحركة التي كان أحد مؤسسيها. وتولى في الوقت نفسه مسؤولية إدارة المشروعات بشركات الدلتا الصناعية (إيديال).


وفي عام 1979، نشر أحمد صادق سعد كتابه الرئيسي: "تاريخ مصر الاجتماعي – الاقتصادي"، الذي حاول أن يقدم فيه رؤية جديدة للتاريخ المصري تستند إلى أطروحة ماركس المعروفة عن "النمط الآسيوي للإنتاج"، والتي كانت قد لقيت رواجاً بين صفوف عدد من الباحثين الماركسيين الفرنسيين خلال الستينيات.


وتعتبر محاولة أحمد صادق سعد المحاولة الثانية بعد محاولة إبراهيم عامر في كتابه "الأرض والفلاح" (1957) لتناول تاريخ مصر الاجتماعي – الاقتصادي تناولاً غير تقليدي.


وقد دلت هذه المحاولة من جانب أحمد صادق سعد على نفورة المتزايد من الأطروحة الستالينية عن "مراحل التطور الخمس الضرورية" والتي كان هو نفسه قد ساعد على ترويجها من قبل.


وقد اتبع أحمد صادق سعد هذا الكتاب الرئيسي بعدد من الكتب والدراسات والمقالات التي تشهد كلها على التوتر الذي أخذ يتزايد احتداداً في تفكيره بين العقائد الستالينية الجامدة ونتائج البحث الماركسي الجديد في تاريخ وحاضر العالم الثالث، خاصة مصر والعالم الإسلامي.


* * *


لقد مات أحمد صادق سعد وهو في غمار البحث الدؤوب عن إجابات عن الأسئلة التي تؤرق بال الكثيرين من المثقفين اليساريين المصريين على عتبات القرن الحادي والعشرين بعد أن تكشف لهم أن الجمود الفكري لا يمكن أن يكون مدخلاً إلى تحقيق مجتمع يكون فيه "التطور الحر لكل فرد هو شرط التطور الحر للجميع"، حسب كلمات "البيان الشيوعي". ولا عزاء للمتخشيبين!


مجلة "أدب ونقد"، القاهرة، فبراير 1989


__________


(1) خلال سنوات الاعتقال الطوال، أبدت السيدة دينه حموي منشه، زوجته، الكورسيكية الأصل، صموداً لا يقل عن صمود زوجات الديسمبريين الروس في المنفى السيبيري، وتولت رعاية صغارهما وسط ظروف شديدة القسوة. فتحية لبسالتها ولبسالة كل النساء اللاتي صمدن خلال المحنة. إنهن جديرات بقصيدة من طراز قصيدة نيكراسوف الشهيرة "نساء روسيات"!.

0 التعليقات: