(الاشتراكي ) القاهرية
15 مارس 2009
يصدر هذا الشهر ضمن إطار المشروع القومي للترجمة الجزء السادس من كتاب هنري لورنس المعنون بـ "مسألة فلسطين" مترجما إلي العربية، وبهذه المناسبة أجرت الاشتراكي المقابلة التالية مع بشير السباعي مترجم هذا الكتاب.
بدايةً، من هو هنرى لورنس؟
هو مؤرخ فرنسي متخصص في التاريخ الحديث والمعاصر للعالم العربي، وصاحب عديد من المؤلفات التي ركزت علي مختلف أشكال اندماج المنطقة العربية في العالم الحديث، الذي هيمنت عليه الرأسمالية الغربية.
عمل هنري لورنس أستاذاُ للتاريخ بجامعة السوربون، ثم بالمعهد القومي للغات والحضارات الشرقية بباريس، وتولى بعد ذلك إدارة مركز دراسات وبحوث الشرق الأوسط المعاصر ببيروت، وكان إلي وقت غير بعيد مشرفا بالمعهد القومي للبحث العلمي بباريس، وهو الآن أستاذ كرسي التاريخ المعاصر للعالم العربي بالكوليج دو فرانس، وهو الموقع الذي سبق أن شغله باحثون فرنسيون مرموقون ، أهمهم جاك بيرك. وهو متزوج من الكاتبة اللبنانية الفرنسية السيدة مها بعقليني، التي سبق لها أن ترجمت إلي الفرنسية عمل نجيب محفوظ “ ليالي ألف ليلة”.
ما هو منهج لورنس في الكتابة التاريخية ؟
من المعروف أن جنس الكتابة التاريخية على اختلاف مناهجها هو المروية أو السردية الواقعية التي تتعامل مع الظواهر التاريخية من زاوية تطورها الزماني الخطي، وهذا التعريف ينطبق على عمل جميع مدارس الكتابة التاريخية ، وطبيعي أنه ينطبق على المدرسة التي ينتمي إليها لورنس، والتي تتبع منهج الوصف التوثيقي، الذي يشكل المدخل الذي لا غنى عنه لأي جهد تحليلي أو تنظيري تال، ويجمع الرجل في أعماله بين الوصف التوثيقي والتحليل، وغالبا ما يكون التحليل مضمراً وماثلاً في بنية الوصف التوثيقي الذي يقوم به، فتلك البنية بطبيعة الحال تستند إلى رؤية ما و منطق ما، كامن في المجهود الوصفي. وفي جميع الأحوال فإن الإشكالية العامة التي تؤرق لورنس تظل ماثلة في معظم كتاباته.
وما هي هذه الإشكالية العامة ؟
الرجل مهموم بمحاولة فهم السبب أو الأسباب الكامنة وراء تحول الغرب الرأسمالي إلى التنكر لمبادئ التنوير وحقوق الإنسان والشعوب في تعامله مع العالم العربي، وهو ما يظهر بوضوح منذ كتاباته المبكرة، فالمسئول عن هذا التحول، من وجهة نظر لورنس، هو المصالح الأنانية للبورجوازيات الغربية، وهي مصالح تكمن وراء الانحطاط التيرميدوري ثم البونابرتي للثورة الفرنسية، والحملة الفرنسية علي مصر لحظة مهمة فيها، وهو ما أوضحه لورنس منذ عام 1989 في كتابه عن هذه الحملة، والذي صدر بالفرنسية بمناسبة الذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية، وإن كان قد كتب في الأصل كأطروحة لنيل دكتوراه الدولة. وقد ترجمنا هذا الكتاب في عام 1995 إلى العربية، وقد فاز عمل لورنس هذا بإعجاب وتقدير مؤرخين مهمين كأندريه ريمون وبيتر جران.
كيف تظهر رؤية لورنس هذه في عمله الأخير حول مسألة فلسطين ؟
في هذا العمل نجد أنفسنا أمام مروية بانورامية، تتناول إشكالية دخول الإمبرياليات الغربية في الصراع علي المنطقة العربية ذات الأهمية الجيوسياسية والجيوستراتيجية في إطار صراع هذه الإمبرياليات علي السيطرة علي العالم. وطبيعي أن هذه المروية تشتمل، بشكل لا مفر منه، علي تناول أشكال استجابة العالم العربي للحداثة الأوروبية، وردود أفعاله علي التوسع الاستعماري، وهو ما يقود لا محالة إلى تناول ظهور الحركات والتيارات القومية في هذا العالم العربي، الذي يحتل ضفافا ً مهمة للبحر المتوسط، وطرق مواصلات بحرية وبرية مهمة، ناهيك عما يتمتع به من ثروات بترولية أساساً، وحضارات مكانية مترامية الأطراف.
وإذا كان يجري تناول مصائر المسألة اليهودية في أوربا الشرقية والغربية وملابسات ظهور الحركة الصهيونية، فإن هذا التناول إنما يتم ضمن إطار تحليل تناقضات الدول العظمى الداخلية وصراعاتها من أجل الهيمنة الخارجية. ومن هذه الزاوية، يعد عمل لورنس كاشفاً لتناقضات عصرنا وأزمته الخطيرة، فهذا العمل ليس وصفا توثيقيا لتاريخ فلسطين الحديث، بل هو وصف توثيقي لـ “ مسألة فلسطين “ وهي مسألة مطروحة منذ فجر القرن التاسع عشر ولا تزال مطروحة إلي يومنا هذا، كما أنها لا تخص فلسطين وحدها بل تتجاوز حدودها إلى عالم أوسع منها، وهو ما يشهد عليه، مثلاً، أن هذه المسألة أصبحت “مسألة مصرية “ علي جانب كبير من الأهمية منذ حرب عام 1948 وأنها قد صاغت إلى حد بعيد تاريخ مصر في الشطر الثاني من القرن الماضي ولا تزال محورية في صياغة هذا التاريخ إلى الآن.
ما هو الإطار الزمني لمعالجة لورنس لـ “ مسألة فلسطين “ ؟
تبدأ هذه المعالجة من حملة بونابرت علي بلاد الشام في عام 1799 إلي اللحظة الحاضرة. وقد وصل لورنس بهذه المعالجة فيما صدر من مجلدات العمل إلى الرابع من يونيو / حزيران 1967 وهو عاكف حاليا علي كتابة مجلد جديد يتناول الفترة الممتدة من حرب يونيو / حزيران 1967 إلى عام 1982 ، عام الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ومن المرجح أن يصدر هذا المجلد الجديد بالفرنسية في أواخر عام 2010
بِمَ يتميز كتاب مسألة فلسطين عن غيره من الكتابات التي تناولت الموضوع نفسه ؟
بلا شك نحن إزاء تسجيل توثيقي دقيق لمختلف مراحل تطور الصراع على فلسطين منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى الآن ، ومثل هذا التسجيل التوثيقي لا نجده في أي عمل آخر بأي لغة. وقد اعتمد لورنس على وفرة من الوثائق التي لم يسبق الاعتماد عليها، كما أن الرجل قد قام بتركيب نقدي لمعظم الأدبيات الصادرة حول الموضوع، وهو مجهود لم يسبقه إليه أحد من المؤرخين من قبل.
هل يمكن اعتبار لورنس مستشرقا يعمل لخدمة أهداف عملية ؟
ما يحرك عمل لورنس هو “حب المعرفة “، وهو ما يفسر دأب الرجل علي محاولة تكوين صورة موضوعية عما حدث بالفعل، ويفعل الرجل ذلك ضمن إطار تمسكه بمبادئ حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، وهي مبادئ يعترف لورنس بأن الغرب الإمبريالي قد خانها في تعامله مع “ المسألة اليهودية “ في الغرب، كما في تعامله مع “ مسألة فلسطين “ في الشرق، ثم إن الرجل يسلط الضوء على دور مختلف الدول العظمى، وبينها فرنسا ، في دعم المشروع الصهيوني. وإذا كان هناك من هدف عملي وراء كتابه الضخم ، فلا شك أنه يتمثل في المساعدة على إيجاد حل عادل لمسألة فلسطين وهو حل يبدو في رأيه بعيد المنال ، بالنظر إلي موازين القوى في العالم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق