الرجل الضخم والسيدة الضئيلة
لا يتراجع الراديو تليفزيون الفرنسي أمام أية تضحية لكي يحول الوجبات العائلية إلى جلسات جياشة للتلقين الثقافي. إن برامج مصاغة بأكبر حرص على التفاصيل البيوجرافية سوف يتعين عليها السماح لكتاب أحياء بأن يقدموا للجمهور بعض أعلام الأدب الراحلين. فرانسواز ساجان سوف تقدم ستاندال، فرانسوا مورياك سوف يتكفل بشاتوبريان، وسوف يتكفل روجيه فايان بفلوبير، وسيمينون ببلزاك، وسيسيل سان- لوران بألكسندر دوما الأب. هكذا سوف يكون هناك ما يمكنه زيادة علم أناس لا يشغلهم إلاَّ التبقيق في حسائهم.
إن فرانسواز ساجان، التي اعتادت النظر إلى الأشياء من قمة قصرها في السويد، لا تخفي قلة إعجابها بعمل ستاندال. فهذا الرجل الضخم، عديم اللياقة في المجتمع، المنكب على وظائف قنصلية متواضعة، ليس مؤهلاً لإثارة حماسها بشكل زائد عن الحد. وهي تود بالفعل أن تهدي له ضربة التليفزيون، لكن ذلك سوف يكون ستربتيزاً رخواً. وإذ نسمعها تعبر عن نفسها، فإننا نتصور أنها تقاوم بصعوبة إغراء تصويره في صورة الكاتب الفاشل. فهي تعلن أنها تعتبر فابريس ديل دونجو كاوبوياً. وفي المنظور الحديث الذي هو منظورها، فإن هذه الكلمة تنطوي على كل ما تنطوي عليه المجاملة. أليس الكاوبوي هو الشكل الأسطوري لمدمري الأساطير؟ إنه أوديسا المتخلفين عقلياً الذين يصوغون عالماً دون ماض. وهو الفولكلور الذي يلوح بمسدسه لسلب السيدات الجميلات. ومن حيث الجوهر، فإن ما تفتقر إليه فرانسواز ساجان أكثر من سواه هو أن يتم اختطافها من قلب الجبل وأن يتم حملها، وهي ساخنة تماماً، إلى مغارة قطاع الطرق. وبالشكل نفسه الذي قد يحتاج به سارتر إلى عيد أنيق أو إلى حماقة ما من حماقات فينيسيا، فإن ساجان تكتب لكي تنسى ما لم يصلها قط.
تقول لنا ساجان أن ستاندال يضع شخصياته في كل اليسر الذي افتقر إليه. ويبدو أن هذا التعليق يشكل نقداً، لا نعرف تماماً استناداً إلى أي موجب. وفي حالة ساجان، بالمقابل، فإن الشخصيات يبدو أنها تتصرف كأشباه العملاء المزدوجين، إذ لا تخوض حياتها الخاصة إلاَّ لكي تستشير فجأة ساعتها وتنهي سردها لأن لديها موعداً مع الكاتب. إنها كائنات مستسلمة لأزمة الرغبة، مثلما هي مستسلمة لأزمة الحرية. وكان يجب أن تكون مصدر تبرمه. إذ ليست بسالتها الزائفة غير الاستسلام لحياة تنفشها تحديات صغيرة جد شبيهة بعلامات تعجب ماري – شانتال. والكاتب لا يملك ألواناً للخدود. إن الأدب المعاصر لم يعد له تقريباً من موضوع منذ تخلى عن الحلم. وعند ستاندال، هناك شيء واضح: ليست هناك أزمة في الرغبة. وهذا هو كل الفرق بين الرجل الضخم والسيدة الضئيلة. إن أحداً لن يقوى على تثبيط همة فابريس بأن يصرخ في وجهه: أو. كي. دونجو.
وبمعنى معين، لم يكن سيئاً اختيار فرانسواز ساجان لاستحضار ستاندال على شاشة التليفزيون المحمومة. إنها تجسد محنة حديثة بشكل خاص. فهي تنتمي إلى ذلك الصنف الذي لم يندحر لأنه لا يحارب، الذي يفهم لكنه لا يستوعب، الذي يستوعب أحياناً لكنه لا يتذكر، الذي يتكلم، أخيراً، خوفاً من اللغز. لقد كان بوسع ستاندال أن يتخذها خادمة غير وفية.
مارس 1960
ترجمة بشير السباعي عن الأصل الفرنسي
0 التعليقات:
إرسال تعليق