جياد أخيل
عندما رأت باتروكلَ جثةً ممدةً،
هو الذي كان بالغ الشجاعة والقوة والفتوة،
أخذت جياد أخيل في البكاء.
انتاب الغضبُ طبعها الخالد
من فعل الموت الذي رأت.
هزت رؤوسها وأعرافها،
خبطت الأرض بحوافرها،
وبكت باتروكل الذي أحست به هامداً، ميتاً،
ليس أكثر من لحمٍ زائل، فارقته الروح،
بلا حيلة، بلا أنفاس،
طريحاً في العدم اللانهائي.
رأى زيوس دموع الجياد
الخالدة والمفعمة بالحزن.
قال: " في عرس بيليوس،
ما كان يجب أن أتصرف بمثل هذه الرعونة؛
لم يكن من المناسب أبداً أن أمنحك للبشر،
أيتها الجياد البائسة!
ما الذي كان يمكنك عمله هناك،
في ذلك العالم الشقي، ألعوبة القدر؟
أنتِ التي لا تترصدك المنية ولا الشيخوخة
تعذبين نفسك بمكابداتٍ عابرة،
تشاطرين البشر مآسيهم".
لكن الدموع كانت تفرُّ أبداً
من أعين الجياد النبيلة
أسفاً من محنة الموت
التي ما لها من نهاية.
(عن ترجمة س. بيير بيتريديس)
-------------
* الحقُّ أنهما جوادان، بحسب إلياذة هوميروس، إلاّ أنني عزفتُ عن صيغة المثنى لأسبابٍ جمالية. -ب. س.
* * *
أريستوبول
دموع في القصر؛ الملك يبكي،
الملك هيرود ينتحب إذ ما من شيء يمكن أن يكون عزاءً له؛
في المدينة كلها ينتحب الناس أسفاً على أريستوبول
الذي، من جراء صدفةٍ ظالمةٍ تماماً، غرق،
وهو يلهو مع رفاقه في الماء.
وعندما يصبح الخبر معروفاً في بلادٍ أخرى،
عندما ينتشر في سوريا،
سيحزن هيللينيون عديدون له؛
عديدون من الشعراء والنحاتين بينهم سوف يصيبهم الكرب من جرائه
فقد كانوا عليمين بمنزلة أريستوبول،
ولو أن تلك الفكرة من أفكارهم عمن هو الفتى الجميل
لم تَرْقَ البتة إلى مستوى جمال ذلك الفتى؛
أي تمثال للإله في أنطاكية
يساوي هذا الابن من أبناء إسرائيل؟
تبكي وتنتحب، الأميرة الأولى،
أمه، اليهودية الأمجد،
تبكي وتنتحب، أليكسندرا، على الكارثة.
لكنها عندما تخلو إلى نفسها، يتبدل شكل حزنها.
تئن؛ تزمجر غضباً؛ تشتم؛ تلعن.
يالخداعهم لها! يالغدرهم بها!
أخيراً وصلوا إلى غايتهم!
لقد دمروا بيت آل آسمون.
وصل إلى هدفه، الملك المجرم،
الغادر، الدنئ، الآثم.
خرج بريئاً من الذنب؛ ياللخديعة! ياللدهاء:
ماريان نفسها لم تلحظ ذلك.
لو كانت ماريان قد ارتابت في الأمر، لو كانت قد شكَّت في شيءٍ ما
لوجدت وسيلةً لإنقاذ أخيها؛
هي ملكةٌ على أية حال؛ وكان بوسعها عمل شيءٍ ما.
لابد أنهما تشعران الآن بالفوز وتشعران سراً بالفرح
هاتان المرأتان، الكريهتان، كيبروس وسالومي؛
إذ هي بلا حيلة، ومرغمة
على التظاهر بتصديق أكاذيبهما؛
ولا تملك الإلتجاء إلى الشعب،
لا تملك أن تعلن لليهود،
أن تعلن كيف جرى تدبير الجريمة.
(عن ترجمة ج. ك. بابوتساكيس)
-------------
هيرود الأول الأكبر (73 -4 قبل الميلاد)، ملك يهودا. في عام 35 قبل الميلاد، أمر بإغراق أريستوبول، أخ زوجته ماريان. كيبروس وسالومي – أم وأخت هيرود. أليكساندرا – أم أريستوبول وماريان.
* * *
ملوكٌ سكندريون
تجمع السكندريون
لكي يروا أبناء كليوباترا،
قيصرون وأخويه الأصغر
أليكسندر وبطليموس.
لأول مرة يجري الخروج بهم إلى ساحة المعهد الرياضي،
وسط صفوف الجنود الرائعة،
للمناداة بهم ملوكاً.
أليكسندر – نودي به ملكاً
لأرمينيا ولميديا وللبارثيين،
بطليموس – ملكاً
لقيليقيا ولسوريا ولفينيقيا.
أما قيصرون فقد وقف أمامهما.
كان يرتدي ثوباً من حريرٍ ورديّ،
ويضم إلى صدره باقة من أزهار الياقوت،
وسط صفين من اللازورد والجمشت،
أما صندله،
فقد كان مشدوداً إلى قدميه بأربطةٍ بيضاء موشاة بلآلىء وردية.
هذا الأخير نودي به ملكاً أكبر من أخويه الأصغر
نودي به ملكاً للملوك.
واضح أن السكندريين قد أحسوا
أن هذا كله ليس أكثر من كلام وتمثيل
لكن اليوم كان عذباً
ومفعماً بالشعر.
كانت السماء لازوردية صافية،
أما معهد الإسكندرية الرياضي
فقد تحول إلى ساحة عيدٍ رائع.
كانت بهارج رجال البلاط غير عادية؛
وكان قيصرون بالغ الوسامة والجمال
(هو ابن كليوباترا، سلسيل اللاجيين).
وهاهم السكندريون يسارعون كلهم إلى الاحتفال،
يتحمسون، يهتفون
بالإغريقية، بالمصرية وبعضهم بالعبرية،
مفتونين بهذا المشهد
بالرغم من أنهم يعرفون جيداً حقيقة كل هذا الأمر،
وأن هذه الممالك مجرد كلام فارغ.
(عن ترجمة أ. كيرياكوبولو)
-------------
إن مارك أنطونيو، الذي كان والياً على الولايات الشرقية للإمبراطورية الرومانية، قد تقارب مع الملكة المصرية كليوباترا ومنحها ومنح أبناءها ممتلكاتٍ شاسعة. وتدور أحداث القصيدة في عام 34 قبل الميلاد، وسرعان ما يعلن مجلس الشيوخ الروماني الحرب على كليوباترا، وبعد الهزيمة في معركة أكتيوم (عام 31) ودخول قوات أوكتافيوس مصر (عام 30)، ينتحر أنطونيو وكليوباترا، ويجري قتل قيصرون، بينما يجري ترحيل ولدي كليوباترا الآخرين إلى روما أسيرين.
* * *
أحد آلهتهم
عندما اجتاز أحدهم الساحة العامة لسلوقيا،
ساعة الغروب،
فتىً جميلاً ممشوق القوام،
بهجة الخلود في عينيه،
شعره أسود معطر،
تأمله العابرون
وتساءلوا ما إذا كانوا يعرفونه،
ما إذا كان يونانياً أم سورياً أم أجنبياً.
لكن بعض من دققوا النظر
فهموا وانحنوا؛
وبينما كان يختفي تحت الأروقة
في ظلال المساء وأنواره،
متجهاً نحو الحي الذي لا يحيا
غير ليل العربدة والمجون
وكل ضروب النشوة والشهوة،
كانوا يتساءلون، متفكرين، أي واحد هو منهم؟
ومستسلماً لأية متعة مبهمة
يهبط إلى شوارع سلوقيا
من مقامه الجليل؟
(عن ترجمة فرنسية صاحبها مجهول)
ترجمة بشير السباعي
0 التعليقات:
إرسال تعليق