قسطنطين كافافي_5


مانويل كومنين

قيصر بيزنطة السيد مانويل كومنين،
ذات يوم حزين من سبتمبر،
استشعر دنوّ أجله.
أكد منجمو البلاط (المأجورون)
إنه مازال موعوداً بطول العمر.
لكنه، بينما كانوا يقولون هذا الكلام،
إذ تَذَكَّرَ الأعراف الدينية القديمة،
أمر بأن يُحضروا له من صوامع الرهبان
ملابسَ كهنوتية
لبسها، وسره أن يبدو
في صورة الكاهن أو الراهب المتواضعة.

طوبى للذين يؤمنون
ويستقبلون الموت، كقيصر بيزنطة السيد مانويل،
مفعمين بإيمانهم جد متواضعين.

(عن ترجمة ج. أ. بابوتساكيس)


* * *
في انتظار البرابرة



- لماذا ننتظر هكذا، محتشدين في الساحة؟ -
- البرابرة يصلون اليوم.
- ما معنى هذه اللامبالاة من جانب مجلس الشيوخ؟
ما الذي ينتظره إذاً الشيوخ حتى يصوتوا على مشاريع القوانين؟
- البرابرة يصلون اليوم.
فما أهمية قوانين الشيوخ إذاً؟
عندما يصل البرابرة سيسنُّون قوانينهم.
- لماذا إذاً يجلس امبراطورنا
أمام باب المدينة الرئيسيّ؟
لقد ارتدى ثوبه الملكيّ ولبس تاجه.
- لأن البرابرة يصلون اليوم
والإمبراطور يود لقاء زعيمهم بنفسه
بل إنه قد أعد رقاً لهذا البربريّ الشهير
كَتَبَ عليه ألقاباً وأسماء.
- لماذا إذاً خرج قنصلانا
مرتديين أجمل ثيابهما الرسمية الفضفاضة
ولابسين في الأصابع خواتم براقة؟
لماذ يمسكان اليوم صولجانين مرصعين بالذهب وباللآلىء؟
- لأن البرابرة يصلون اليوم
ولأن هذه الأشياء من شأنها إبهار البرابرة.
- ولماذا إذاً لا يحضر خطباؤنا هم أيضاً،
لإلقاء الخطب التي تناسب الحدث؟
- لأن البرابرة يصلون اليوم
ولأنهم لا يحبون البلاغة.

- لماذا هذا الانزعاج المفاجئ؟
- ما سبب هذا الاضطراب بين الجموع؟
إلى أيّ حد أصبحت الوجوه متجهمة!
ما سبب هذا المزاج القلق؟
لماذا تخلو الشوارع الآن بسرعة؟
ولماذا يرجع كلّ واحد مهموماً إلى بيته؟
- لأن الليل قد حل ولم يصل البرابرة.
بل إن أناساً ذهبوا إلى الحدود ويعلنون أنه لم يعد هناك برابرة.
- والآن ماذا سيكون مصيرنا في غياب البرابرة؟!
هؤلاء كانوا على الأقل حَلاًّ من نوع ما.


(عن ترجمة جان ميشيل)


* * *
الرب يتخلى عن أنطونيو



عندما تمر، فجأة، قرب منتصف الليل،
فرقة عازفة لامرئية
آسرة الألحان، عذبة الصوت...
لا تَبْكِ عبثاً، على حظك العاثر،
على مراميك التي لم تتحقق،
على مشاريع حياتك
التي تَكَشَّفَ زيغها.

وكرجل شجاع ومهيأ لكل شيء منذ زمن بعيد،
وَدَّع الإسكندرية التي تنأى عنك.
والأهم، ألاَّ تخدع نَفسك وألاَّ تقل البتة
إنك بإزاء حلم، إن سمعك قد خانك.

ومثلما يليق بك، أنت الذي كنت تملك مدينة كهذه،
اقترب من النافذة، ثابت الجنان؛
و، متأثراً، لكن دون أن ترثي لحالك،
ودون أن ترتعد كالجبان،
انصت، يالها من غبطة سامية، إلى الألحان،
إلى الأصوات العذبة للفرقة الموسيقية اللامرئية.
وَوَدِّع الإسكندرية التي تفقدها.

(عن ترجمة س. بيير بيتريديس)


* * *
طرواديون


جهودنا كجهود غيرنا ممن خانهم الحظ،
جهودنا شبيهة بجهود الطرواديين.
نكابد قليلاً؛
نصل إلى نتيجة ما؛
بل نشرع في استلهام شجاعة أكبر،
وفي التسلح بالآمال الجميلة.


لكننا، كل مرة،
يقف شيء ما في طريقنا
ويوقفنا.
يظهر أخيل على حافة الخندق
ويروعنا بصيحاته المجلجلة.

جهودنا،
جهودنا، شبيهة بجهود الطرواديين.
نحسب أننا بشيء من الجسارة والحزم
سيتسنى لنا تحويل مسار القدر؛
ونخرج من المدينة، لخوض المعركة.

لكن اللحظة الحرجة تأتي،
وتتلاشى جسارتنا وحزمنا
تضطرب أرواحنا وتخوننا،
عندئذ نسارع كلنا إلى الاحتماء بالأسوار
باحثين في الهرب عن خلاصنا.

لكن هزيمتنا مؤكدة.
وقد بدأ النحيب بالفعل عند الأسوار:
هناك تنتحب بالفعل ذكرياتنا وأشواقنا.
هيكوبا وبريام يبكياننا مُرَّ البكاء.

(عن ترجمة س. بيير بيتريديس)


* * *
أرواح الشائخين



في الأجساد الشائخة المنهكة
ترقد أرواح الشائخين.
حزينة هي ومستاءة
مكروبة، محزونة!
بالرغم من ضجرها من حياتها التي تنوء بحملها
إلاَّ أنها تهاب ضياعها مع ذلك
فهي تحبها أكثر من أي شيءٍ آخر!
يالحيرتها! يالثبات عنادها!

هذه الأرواح ذات الآلام الهزلية
تتشبث بتلك الأجساد الشائخة المأساوية!

(عن ترجمة آري – رونيه ديفيرمون)


* * *
حوائط


طيشاً، دون حياء أو شفقة
شيَّدوا حولي حوائط عالية.
والآن أرقد هناك، يائساً، مهاناً.
خاطر حظي العاثر وحدهُ يعذبني.

فقد كان عليّ عمل أشياء كثيرة خارجها.

آه لماذا لم أحترس
عند بناء الحوائط!
لكنني، بالفعل، لم أسمع شيئاً
لا صخب البنائين ولا الأصوات الهادرة
دون وعيٍ مني عزلوني عن العالم.

(عن ترجمة جان ميشيل)


ترجمة بشير السباعي

0 التعليقات: