ليلة
كانت الغرفة فقيرةً وعادية،
منزويةً فوق حانةٍ مشبوهة.
من النافذة،
كان يمكن للمرء رؤية الحارة،
ضيقة وقذرة.
من تحت،
تتناهى أصوات عمال،
يلعبون الورق ويتسلون.
وعلى السرير البسيط والرخيص،
كنتُ أمتلك جسد المحبوب،
كنتُ أمتلك الشفتين،
شفتي النشوة الشهوانيتين والحمراوين،
الحمراوين من نشوة صارخة
بحيث إنني، حتى وأنا أكتب الآن،
بعد كل تلك السنين،
في بيتي المنزوي،
أنتشي بها من جديد.
(عن ترجمة ج. ا. جورجوسي)
* * *
عن أمونيس
مات في التاسعة والعشرين، في عام 610
رافاييل،
نسألك أن تكتب أبياتاً تكون شاهدة قبر
للشاعر أمونيس،
شيئاً يتميز بحسن الذوق وبالرصانة.
أنت الذي تقوى
– أنت الأقدر –
على كتابة ما يليق
عن الشاعر أمونيس،
الذي كان منَّا.
لا ريب إنك سوف تتحدث عن قصائده –
لكن تحدث أيضاً عن جماله،
عن جماله الرقيق الذي أحببناه.
أغريقيتك جميلة وموسيقية دائماً.
لكننا بحاجة الآن إلى كل مهارتك
ففي لغة أجنبية سوف ينتقل حزننا وحبنا،
اسكب عاطفتك المصرية في لغة أجنبية.
رافاييل،
اكتب أبياتك بحيث يكون فيها،
تدري،
شيءٌ من حياتنا،
بحيث يكشف الإيقاع وكل جملة
أن سكندريًّا يكتب عن سكندريّ.
(عن ترجمة هـ. بيرنو)
* * *
لتأتِ
شمعةٌ واحدةٌ تكفي
نورها الخافت أنسب ما يكون،
سيكون أكثر عذوبةً حين تجيءُ بالحب،
حين تجيءُ الأطياف.
شمعةٌ واحدةٌ تكفي
لا حاجة في الغرفة هذا المساء إلى نور باهر.
استغراق تام في الحلم والإيحاء،
وبالخافت من النور!
في الحلم كذلك
سأملك رؤى،
لتأتِ بالحب،
لتأتِ الأطياف.
(عن ترجمة ريكا سينجوبولو)
* * *
إيثاكا
عندما تتهياُ للرحيل إلى إيثاكا،
تمنَّ أن يكون الطريقُ طويلاً،
حافلاً بالمغامرات، عامراً بالمعرفة.
لا تخشَ الليستريجونات والسيكلوبات
ولا بوزايدون الهائج.
لن تجد أبداً أيًّا من هؤلاء في طريقك،
إن بقيَ فكرك سامياً، إن مسَّت عاطفة نبيلة روحك وجسدك.
لن تُقابل الليستريجونات والسيكلوبات
ولا بوزايدون العاتي،
إن لم تحملهم في روحك،
إن لم تستحضرهم روحك قدامك.
تمنَّ أن يكون الطريق طويلاً،
أن تكون صباحاتُ الصيف عديدة،
فتدخل المرافىء التي ترى لأول مرة،
منشرحاً، جذلاً.
توقف بالأسواق الفينيقية،
واقْتَنِ السلع الجيدة،
أصدافاً ومرجاناً، كهرماناً وأبنوساً،
وعطوراً شهوانيةً من كل نوع،
قدر ما يمكن من العطور الشهوانية،
اذهب إلى كثيرٍ من المدن المصرية،
تعَلَّمْ ،وتَعَلَّمْ ثانيةً ، – من الحكماء.
لتكن إيثاكا في روحكَ دائماً.
الوصول إليها قَدَرُك.
لكن لا تتعجل انتهاء الرحلة.
الأفضل أن تدوم سنواتٍ طويلة
وأن تكون شيخاً حين تبلغ الجزيرة،
ثريًّا بما كسبته في الطريق،
غير آملٍ أن تهبكَ إيثاكا ثراءً.
إيثاكا منحتك الرحلة الجميلة.
لولاها ما كنتَ شددتَ الرحال.
وليس لديها ما تمنحكَ إيَّاه أكثر من ذلك.
حتى وإن بدت لك إيثاكا فقيرة،
فإنها لم تخدعك.
ومادمت قد صرت حكيماً، حائزاً كلَّ هذه الخبرة،
فلا ريب أنك قد فهمت ما تعنيه الإيثاكات.
(عن ترجمة هـ بيرنو)
* * *
تذَكَّرْ، أيها الجسد
تذَكَّرْ، أيها الجسد
ليس فقط كم كنتَ محبوباً،
ليس فقط الأَسِرَّة التي استلقيت عليها،
بل أيضاً تلك الرغبات التي كانت تلمع واضحةً في العينين،
وترتجف في الصوت، اشتهاءً لك –
والتي بددتها عقبة طارئة.
الآن إذ يتراجع كلّ ذلك إلى الماضي،
يكاد يبدو كما لو أنك تهب نفسك لتلك الرغبات.
تذَكَّرْ، كم كانت تلمع في العينين اللتين كانتا تنظران إليك،
كم كانت ترتجف في الصوت،
اشتهاءً لك،
تذَكَّرْ، أيها الجسد.
(عن ترجمة هـ. بيرنو)
* * *
هيرود أتيكوس
أه، أيّ مجد كمجد هيرود أتيكوس.
إذ وصل إلى أثينا للكلام
إسكندر السلوقي، أحد سفسطائيِّينا،
وجد المدينة مهجورة،
كان هيرود في الريف،
فتبعته الشبيبة كلّها إلى هناك لسماعه.
عندئذ، كتب إسكندر السفسطائي رسالة إلى هيرود،
راجياً إياه إعادة الإغريق.
فأجابه هيرود الأريب فوراً:
"مع الإغريق أجيء أيضاً".
كم من فتية الآن في الإسكندرية،
في أنطاكية أو في بيروت،
(خطباء الغد هؤلاء الذين تعدهم الهيلينية)
خلال حفلات الصفوة،
حيث يتجمع الجميع،
يتحدثون تارة عن الجميل من المغالطات المنطقية
وتارة عن غرامياتهم اللذيذة،
فجأة، يسكتون تماماً، شاردي الألباب،
كؤوسهم، يتركونها، قريباً منهم، دون أن يمسوها.
ويفكرون في حظ هيرود السعيد.
– ( هل من سفسطائي آخر بلغ مجداً مماثلاً؟) –
أياًّ كان ما يريد، أياَّ كان ما يفعل،
فسوف يتبعه الإغريق (الإغريق)،
دون إبداء رأي، دون نقاش،
دون روية. لمجرد أن يتبعوه.
(عن ترجمة آي. كيرياكوبولو)
* * *
حكماء الأمور الدانية
البشر يعرفون الحاضر.
المستقبل تعلمه الآلهة،
ذات الكمال والمالكة الوحيدة لجميع الأنوار.
من أمور المستقبل
يدرك الحكماء تلك التي تدنو.
يهيج سمعهم أحياناً أثناء التأملات الملية.
يأتيهم الصخب السريّ للأحداث التي تدنو.
وينصتون إليه في ورع.
بينما في الخارج، في الشارع،
لا يسمع الناس شيئاً.
(عن ترجمة م.)
* * *
في عام 1903
لم أصادفها مرة أخرى،
ما أسرع ضياعها:
العينان الشاعرتان –
الوجه الشاحب...
في سديم الشارع...
لم أصادفها مرة أخرى –
امتلكتها صدفة،
ثم ضيعتها بهذه السهولة؛
وفيما بعد بحثت عنها مبرحاً بالآلام.
العينان الشاعرتان، الوجه الشاحب، وتلكما الشفتان
لم أصادفها مرة أخرى.
(عن ترجمة ريكا سينجوبولو)
* * *
بعيداً
.. لكم أود أن أحكي هذه الذكرى...
لكنها تذبل... لا يكاد يبقى منها شيء –
لأنها ترقد في البعيد –
في سنيّ شبابي الأولى.
آه يا لون بشرة من ياسمين!
وتلك الأمسية من أغسطس..
- أكان ذلك في أغسطس حقاً؟ -
بالكاد لا أزال أتذكر العينين،
كانتا، يخيل إليّ، زرقاوين...
آه! أجل! زرقاوين ... زرقة اللازورد.
(عن ترجمة ا. كترارو)
ترجمة بشير السباعي
0 التعليقات:
إرسال تعليق