شذرات
ماتت أختي بين ذراعيَّ بالفعل. كنت وحدي قرب وسادتها. أذكر أنني قلت لها شيئاً كـ : "لا يمكنك أن تموتي. هذا مستحيل" . وهو ما ردت عليه بهذه الكلمات بالضبط : "لا تفكر في الموت. لا تبكِ. فالمرء لا يهرب من قدره".
أَدركتُ، يومها، أن هناك لغةً للموت، كما أن هناك لغةً للحياة.
إن المرء لا يتحدث لمحتَضَرٍ بالأسلوب نفسه الذي يتحدث به لإنسانٍ حيٍّ. وهو لا يُجيبك بعدُ بالأسلوب الذي كان يمكن أن يجيب به قبل ذلك بلحظات. إن كلامه مختلف.
*
لقد كنت في آن واحد متمرداً على الظلم الذي يمثله كل موت – والمُبَرِّرُ أقوى عندما يحل بإنسان في مقتبل العمر- وسلبيًّا . لقد تكلمت أختي قبل أن تلفظ أنفاسها عن "القدر". وفكرة القدر تخترقني، بدوري، اختراقاً جد عميق ومن المؤكد أن مصر ليست غريبة عن هذه الفكرة.
إنني أعتقد أن هذا كله كامن في أعمق أعماق كتبي. والحال أن اليهودية، المشربة بهذه الجبرية بحكم أصولها الشرقية، قد جعلت من ثنائية السلبية – التمرد، أساساً، عين فضائها. لقد أصبح تمردها تساؤلاً معذَّباً.
*
لا يمكن للمرء النظر إلى مصر، إلى الشرق، بعيونِ غربيين دون أن يسقط في غرائبيةٍ تتنكر لما هو أساسيّ.
....... كلا، إن المصري ليس كسولاً ولا بليداً ولا خامل الحس. إنه ببساطةٍ شديدُ الالتفات – خاصة الفلاح – إلى العلامات والإشارات التي تغيب عنَّا.
*
إن فكرة الذهاب للعيش في إسرائيل لم تخطر ببالي قط. ولعل ما وراء ذلك هو شيء أعمق بكثير، شيء يجري تناوله باستمرار في كتبي، وهو كرهي الأصيل لكل انغراس. إن لديَّ انطباعاً بأنه لا وجود لي إلاَّ خارج كل انتماء. وانعدام الانتماء هذا هو جوهري ذاته. ولعلني لا أملك ما أقوله غير هذا التناقض الأليم: إنني أطمح ككل إنسان إلى مكان، إلى دار، ولا يمكنني، في الوقت نفسه، أن أقبل المكان الذي يعرض نفسه عليَّ.
*
كل ما أعرفه هو أن الوحدة، بحكم قوة الأشياء، قد أصبحت القَدَرَ العميقَ لليهودي. ودولة إسرائيل، ليس فقط لا تُنهي هذه الوحدة، بل إنها، أحياناً، تزيد من حدتها.
ترجمة : بشير السباعي
(عن الأصل الفرنسي)
0 التعليقات:
إرسال تعليق