أحمد راسم_1

(1895-1958)

حكاية من أجل الكبار
روتها إنجي أفلاطون (9 سنوات)



كان ياما كان صديقان – حلاق وخباز – اعتزما القيام برحلة طويلة.
فقال الخباز:
- لنأخذ معنا خبزاً كثيراً.
لكن يوسف، الحلاق الصغير، لم يكن يرى هذا الرأي، فهو لم يكن يريد أن يظهر بمظهر شيخ عجوز يحمل على ظهره سلة خبز.
عندئذ قال الخباز:
- بالنسبة لي، سوف آخذ معي خبزاً كثيراً.
ووضع على ظهره سلة خبز كبيرة، فوق لوح مثبت بحبل.
وبعد أسبوع، صعد الحلاق الصغير، وهو يتظاهر بالتعب، على اللوح المثبت على ظهر صديقه، وأخذ يأكل الخبز وهو يصفر. كان يأكل الخبز لأنه كان جائعاً، وكان يصفر لأنه كان مبتهجاً.
وذات يوم قال له الخباز:
- ناولني قطعة من الخبز، يا صديقي الحلاق.
لكن الحلاق الذي كان يصفر لم يجب.
وألحف الخباز في الطلب، عندئذ قال يوسف:
- لن أناولك خبزاً إلاَّ إذا فقأت لك عيناً.
وبما أن الخباز كان ولداً طيباً وكان يعرف أن صديقه شرير، فقد تركه يفقأ له عيناً ... لكي يحصل على قطعة من الخبز ويتمكن من مواصلة السير.
وكان يوسف يصفر بلا انقطاع، وهو يجلس مستريحاً على اللوح المثبت على ظهر صديقه. وسار الخباز وهو لا يرى الطريق إلاَّ بعين واحدة.
وفي صباح اليوم التالي، طلب قطعة أخرى من الخبز لأنه كان جائعاً ولم تعد لديه قدرة على مواصلة السير.
عندئذ قال يوسف، الحلاق الصغير:
- إنك تأكل خبزاً كثيراً ... ولن تحصل على قطعة أخرى إلاَّ إذا فقأت عينك الثانية.. وعندئذ فسوف نحيا معاً دائماً لأننا أصدقاء. أنت تحملني وأنا أدلك على الطريق.
ووافق الخباز لأن قلبه كان أبيض ورقيقاً مثل لب الخبز.
وبعد أن فقد بصره، أكل كسرة أخرى من الخبز، ثم استأنف سيره ... بينما أخذ الحلاق يصفر وهو جالس على كتفه، لأنهما كانا يريدان الوصول إلى القصر العظيم الذي كان على قمة الجبل.
وعندما أحس الخباز بالتعب، توقف لحظة ليستريح، وأنزل على صخرة لوح الخشب الذي كان مثبتاً على ظهره والذي كان يوجد عليه ما تبقى من الخبز وصديقه الحلاق.
لكن يوسف الذي رأى القصر العظيم الذي كان على قمة الجبل، ترك الخباز الأعمى واتجه وحده إلى غاية رحلتهما.
وسالت الدموع من عيني الأعمى المفقوئتين. وبينما هو يجهش بالبكاء، سمع صوت امرأة يقول له:
- إذا مسحت عينيك بيديك المبلولتين بالدموع فسوف تسترد البصر.
وبصق الخباز المسكين في كفيه لكي ينظفهما قبل أن يمسح بهما خديه، ثم فرك عينيه بيديه المبلولتين بالدموع.
عندئذ رأى أمامه فجأة، ليس فقط امرأة، وإنما أيضاً حمامة.
ولما كان الجوع قد أخذ منه كل مأخذ، فقد قال لنفسه: "لو كان بوسعي أن آكل هذه الحمامة..."
عندئذ قال له صوت آت من شجرة:
- دع هذه الحمامة وأكمل سيرك.
وعندئذ سار الخباز، الذي كان ولداً شجاعاً، لكنه صادف بعد لحظة المرأة نفسها محاطة بفراخ صغيرة.
وإذ استولت عليه الدهشة، قال لنفسه: "إني جائع".
لكن المرأة الجميلة قالت :
- أرجوك لا تمس فراخي لأنني أحبها لما تمنحني إياه من بيض.
عندئذ مشى الخباز الذي كان فتىً شجاعاً وهو محتدم الشعور، تاركاً الفراخ التي كانت تحيط بالمرأة الجميلة. وسار ساعات طويلة ولم يتوقف إلاَّ عندما رأى أمام قدميه سحلية. وبما أن الخباز المسكين كان مرهقاً جداً، فقد سقط على صخرة. وعندما تمكن من فتح عينيه، وجد نفسه في البستان الذي كان القصر العظيم فيه، فدخله، وهناك، وجد أن صديقه يوسف قد أصبح حلاق الملك.
ولم يشعر الحلاق بالارتياح لرؤية أن الخباز لم يعد أعمى. وقال الحلاق للملك:
- مولاي، لقد كان هذا الفتى أعمى. وقد استرد بصره. ولابد أنه على صلة بالجان. إن وجوده هنا خطر.
لكن الملك الذي كان رجلاً ذكياً قال له:
- أنا لا أظن ذلك.
عندئذ أشعل الحلاق النار في القصر، انتقاماً من صديقه.
فقال الملك للخباز:
- أنت وحدك القادر على انقاذنا. لقد تمكنت من استرداد بصرك. ولذا فإن بوسعك أن ترى في هذه اللحظة الخطر المحدق بنا، وإلاَّ فإنك سوف تهلك معنا.
وفي البستان، وجد الخباز الحمامة مع المرأة الجميلة التي تحب الفراخ، وأدرك الجميع سبب حزنه.
وبينما راحت المرأة والفراخ تنظر إليه، هطل وابل مطر من السماء السوداء، وأطفأ الحريق الذي كان قد بدأ.
وسالت دموع كثيرة من عيني الخباز على خديه عندما عرف أن صديقه الحلاق قد مات في الحريق.



* * * * * * *



يبدو أن رسالة هذه الحكاية هي أنه لا يجب عليك أن تحمل على كتفيك إنساناً قادراً على أن يفقأ عينيك.
فالمرء لا يسترد بصره إلا في الحكايات التي تُروى للأطفال.



ترجمة بشير السباعي
(عن الأصل الفرنسي)

0 التعليقات: