مغامرة كريستوفر كولومبوس الدموية_2



مايك جونثالث
"في سبيل الرب
والذهب
والمجد"

ترجمة
بشير السباعي


(2)


في 3 أغسطس 1492 خرج كولومبوس إلى عرض البحر في سفنه الثلاث: سانتا ماريا، ونينا وبينتا. ولابد أنه قد شعر بالفرحة الغامرة عند خروجه. فقد كان واثقاً من قدراته كملاح. والواقع أن فكرته عن الرحلة التي تنتظره كانت خاطئة – إذ كان يعتقد أن الوصول لليابسة سوف يتحقق بأسرع مما حدث في الواقع. لكنه كان يعرف أن العالم في متناول الإنسان. ومع أن رأسه كان محشواً دون ريب ببعض الخرافات القروسطية الغريبة، إلا أنه كان يحتوي أيضاً أحدث المعارف العلمية.

وكانت لديه مبررات أخرى للفرحة. فهو قد عقد اتفاقاً غير مسبوق مع الملكين الكاثوليكيين يكفل له عُشر كل ما يجد، ويمنحه لقب أميرال البحرالمحيط. وكانت الرحلة طويلة ومثيرة للأعصاب. وفي أوائل أكتوبر، تزايد قلق البحارة، لكن كولومبوس نجح في احتواء مخاوفهم. ثم، في 11 أكتوبر، لمحوا اليابسة. وكانت تلك هي البداية.

لم يكن كولومبوس مهتماً كثيراً بفهم العالم الذي وجده. فهو لم يبذل جهداً يستحق الذكر في تسجيل مظاهر الحياة النباتية والحيوانية في هذا المكان الجديد. وعندما قابل سكان "العالم الجديد" الأوائل الذين اتخذوا نحوه موقفاً يتميز بالتساؤل والود، كانت فكرته الأولى تتمثل في أنهم يصلحون لأن يكونوا خدماً طيعين وأنهم فريسة سهلة للتنصير. وعند إبحاره حول الكاريبي من جزيرة إلى أخرى، حيث التقى سكان الآراواك والكاريب، كانت عيناه على الحلي الذهبية الصغيرة المشبوكة في أنوفهم وآذانهم.

وفي التقرير الذي كتبه لسادته، أكد لهم على استجابة هؤلاء السكان التي تتميز بالهدوء والود كما أكد لهم على أن بوسعه "جعلهم يجمعون الأشياء التي يحوزونها بوفرة والتي نحتاج إليها وتقديمها لنا...". وفي حين أنه لم يهتم كثيراً برصد أو تسجيل ما رآه، فإنه قد استسلم لمزاعم خيالية عن القيمة التسويقية لأية نباتات أو بذور غير معروفة صادفها.

وبالنسبة للآراواك والكاريب، فإن السيف كان قد سبق العذل. لقد أخذ كولومبوس بعضهم معه إلى إسبانيا وعرضهم في برد شتاء 1493 عرايا في الشوارع قبل تقديم هذه الكائنات الغريبة المثيرة للفضول في البلاط. وسرعان ما سوف يختفي الناس الذين تركوهم خلفهم في الكاريبي، فهم سوف يموتون تحت التعذيب ومن جراء سوء المعاملة أو الإنهاك في العمل في مزارع السكر في هسبانيولا (هايتي وجمهورية الدومينيكان الآن) أو كوبا. ويبهت فعل الإبادة هذا من حيث جسامته بجانب الحطام البشري الذي تسبب فيه فتح البر الرئيسي لأمريكا الجنوبية – إلا أنه كان رهيباً بما يكفي لدفع بعض الإنسانيين الجدد إلى الاحتجاج.

وكان كولومبوس محقاً في اعتقاده بأن الشاغل الرئيسي لأسبانيا ليس هو التنصير ولا الفضول العلمي بل البحث عن الثروة. فبقاء المملكة الإسبانية الجديدة يتوقف على إحراز انتصار في ذلك السباق – الذي كانت رهاناته أعلى الرهانات. ومنذ تلك اللحظة بدأت الهوة بين الأقوال والأفعال في الاتساع. وكانت النزعة الإنسانية لفترة الإصلاح الديني لا تزال مسموعة في إسبانيا. فقد تربى جيل في روح هذه النزعة وسوف يشن فيما بعد هجوم مؤخرة على الفتح الإسباني – لكن هذه الأصوات كانت لا تزال ضعيفة، وإن كان أشدها عناداً، لاس كاساس، سوف يواصل الاحتجاج على مدار عمره على فظاعة الجبروت الإسباني.

وعندما عاد كولومبوس إلى إسبانيا في عام 1493، فإن ما حمله معه كان وعوداً بأكثر مما كان برهاناً. لكنه حمل ما يكفي لتشكيل النزعة الإستعمارية الأوروبية التي كان رسولها الأول. وفي إسبانيا كان التأثير فورياً. فحتى مع انفتاحها على تجارة عالمية وشروعها في المشاركة في السوق، فإنها تبدأ في بناء إمبراطورية إقطاعية قوية تستعيض بالتوسع الجغرافي عن التحول التقني، وتملأ بنوك رأس المال الأوروبي الشمالي بينما تزيل من قلبها هي كل أثر للتغير أو التحول. وكان اضطهاد اليهود والعرب من جانب محاكم التفتيش مجرد مظهر واحد لذلك، أما البحث المستميت بشكل متزايد عن الذهب والتوابل، مع ثبوت زيف تأكيدات كولومبوس حول وجود مناجم غنية في كوبا، فقد كان مظهراً آخر له.
يتبع

0 التعليقات: