مغامرة كريستوفر كولومبوس الدموية_4


مايك جونثالث
"في سبيل الرب
والذهب
والمجد"

ترجمة
بشير السباعي

Hernando Cortez


(4)


هل كان ذلك محتماً؟ إن الحضارة الأوروبية لم تكن أرقى بشكلٍ متأصل. ومن المُرجح أن الصين كانت أكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية في ذلك الوقت، وكان الآزتيك والإنكا على حد سواء قد نجحوا في إطعام شعوب بلادهم – بالذرة – على نحوٍ أفضل نوعاً ما من أوروبا بجموعها الجائعة ومجاعاتها المتكررة. والمسألة هي أن أوروبا اضطلعت بالفتح، وأنها، من أجل تأمين وجودها على قيد الحياة، لن ترحم أية عقبة تعترض سبيلها.


وكان واقع شعوب أمريكا الأصلية، جزئياً على الأقل، قصة وحشية من قصص البقاء والسيطرة كقصة أوروبا. فالجماعات التي تعيش على صيد الأسماك وجمع الثمار في جزر البحر الكاريبي أو السهول الأمريكية الشمالية العظيمة كانت جماعات مساواتية لا تملك فكرة عن المال والكسب المُمَيِّزَيْنِ للوجود المحوري للصراع الطبقي. لكنها كانت، في بعض الحالات على الأقل، منقسمة داخلياً. ولم يعرف كولومبوس قط الإمبراطوريات الشاسعة الموجودة في قارة "جزر الهند الغربية". وقد مات بعد أن كون لمحة عن الثروة دون أن يخطر بباله حجم الثروة التي سوف تتكشف.


وكان إيرناندو كورتيس وفرانشيسكو بيثارّو ابنان لعصرهما أيضاً – إلا أنهما كانا يتميزان بغطرسة ويقين أمة فاتحة. وقد هبط كورتيس في بيرا كروث على خليج ميكسيكو في أبريل 1519. وكانت رحلات وتحريات سابقة قد أطلعته على الإمكانيات الموجودة هناك، وكانت الشائعات التي تتحدث عن مدن ذهبية وإمبراطوريات عظيمة شائعات واسعة الانتشار على أية حال. وقد حدثته الحكايات المتواصلة ذات رنة الصدق عن قوة إمبراطورية عظمى تهيمن على مجمل وسط المكسيك. وحمل إليه رسلٌ من تلك الإمبراطورية – الآزتيك – شمساً ذهبية وقمراً فضياً لكسب وده ولإعادته إلى بلاده قانعاً. لكن ذلك لم يؤدِّ إلاَّ إلى ضمان أنه ورجاله سوف يبقون إلى الأبد.


وكان الآزتيك فاتحين. فقبل قرن بالكاد كانوا قبيلة معزولة في الوادي الأوسط محاطة بالبرابرة أو بالتشيتشيميك. إلا أنهم سرعان ما فرضوا على وسط المكسيك هيمنة وإمبراطورية امتدتا بعيداً في كل اتجاه. وقد تنازعت في قلبها ديانتان على الهيمنة. وكان في بؤرة ديانة الحرب إله متعطش للدماء يشتهي تقديم القرابين البشرية إليه والتوسع. وكان خدم إله الحرب يتمثلون في المحاربين، فرسان النمر المرقط والثعبان المجنح الذين لم تكن قواعدهم تختلف كثيراً عن قواعد أخويات الفرسان الأوروبية. إلا أنه كان هناك أيضاً تيار آخر، دين جبرية وإذعان للقدر مستمد من ثقافات التولتيك الكلاسيكية الغنية التي كانت قد شيدت أهرامات الشمس والقمر العظيمة. وكان كهنة هذه العبادة يجدون عند موكتيزوما آذاناً صاغية.


والحال أن انتصار إسبانيا المثير على هذه الإمبراطورية في غضون سنتين أو ثلاث سنوات قصيرة لا يمكن رده إلى مجرد ترددات حاكم. فأسباب شك موكتيزوما لها جذور أعمق. ذلك أنه كان يقود إمبراطورية تمر بأزمة. فالتوسع كان قد وصل إلى حدوده المادية وكان قد قوبل بمقاومة لم يكن بوسعها التغلب عليها. فهذه الإمبراطورية الجبارة تعجز عن إلحاق الهزيمة بالتاراسك أو بالتلاكسكالتيك أو بالمايا في الجنوب. والواقع أن تلاكسكالا، بعد أن واجهت الإسبان وخسرت المعركة معهم، قد أصبحت حليفاً لا غنى عنه في انتصارٍ إسباني.


وكان إمبراطور الآزتيك يواجه شقاقاً داخلياً. فقبل وصول كورتيس بوقت قصير كان قد أخمد تمرداً للطبقة التجارية التي كانت قد توسعت في النشاط التجاري إلى خارج حدود الإمبراطورية. وكانت قد نظمت قواتها المسلحة الخاصة ومركزها السياسي والاقتصادي الخاص. وكان الضغط من أجل التغيير يتصاعد ضد الإمبراطور نفسه من الداخل ومن الخارج. وقد قاوم هذه المطالب وسحق في المهد تمرداً من جانب التجار، لكن الانقسامات استمرت. وكان من حسن حظ الإسبان الذي لا يصدق أنهم تمكنوا من استغلالها والاستفادة منها، حيث قاموا بتعبئة أعداء الآزتيك كحلفاء لهم وكأدوات مساومة في المفاوضات مع الإمبراطور.


وفي نهاية الأمر، فإن موكتيزوما المتردد قد رجمه شعبه هو بالحجارة حتى الموت وأمكن طرد إسبانيا لفترة قصيرة. وفي أواخر عام 1520، عاد الإسبان وحولوا البلد إلى أنقاض بعد ثمانية أشهر من الحصار. ثم شيدوا مدينة إسبانية جديدة بأحجار العالم القديم – وهو عمل يتميز بأهمية رمزية، تحدثت عنه المرثية الأخيرة لشعراء الآزتيك:


عندما احتشد الجميع
سد المسلحون المخارج والمداخل
ثم احتدم الضجيج
وتعالت الصرخات إلى كبد السماء
وتشبع الهواء برائحة الدم
المناحات تودع الموتى
والخوف يملأ صدور المكسيكيين...
الجدران ملوثةٌ بالدماء
والدود يزحف في الدروب والساحات



(أغنية مذبحة تلاتيلولكو 1521)

يتبع

0 التعليقات: