مغامرة كريستوفر كولومبوس الدموية_6


مايك جونثالث



"في سبيل الرب
والذهب
والمجد"

ترجمة
بشير السباعي


جداريَّة من رسم دييجو ريبيرا
(6)

هناك سخرية أقدار مناسبة في احتفال النظام العالمي الجديد الذي ينبثق الآن إلى الوجود برحلات كولومبوس. فقد كان الملاح الإيطالي بذرة في إعصار عام 1492 التاريخي. لكنه كان الأداة التي بدأ عبرها تشييد النظام العالمي الأول.

كما أن هذا العام (1992) سوف يشهد احتفالات مضادة. فبالنسبة للشعوب الأصلية لكل من أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، يمثل عام 1992 ذكرى مرور خمسمائة عام على بدء استغلالها المنهجي على أيدي رأس المال الغربي. إنه ذكرى اختزالها إلى عدم الظهور في سجلات التاريخ أو، في أفضل الأحوال، إلى وضعية البرئ و/ أو البربري الدائم في الحكايات الملحمية للزحف الغربي – سواء أكانت حكايات الفتح نفسه أو أفلام الغرب الأمريكي التي وصفت فيها الطبقة الحاكمة الأمريكية "فتحها" الخاص وإخضاعها لأراضي القارة الشمالية.

إن كل جيل من المستغِلين قد اكتشف جماعات تحيا على الأرض التي كان يشعر بأنه ملزم باستغلال تربتها وما تحت تربتها. وفي كل حالة حوَّل المستغِلون هذا العمل من أعمال الفتح إلى اكتشاف اختفى فيه البشر الذين وجدوهم هناك اختفاء سحرياً وتحولوا إلى طبيعة عاجزة. لكن هذه الطبيعة، بدورها، قد جرى نهبها وتقويضها بشكل متواصل سعياً إلى الربح المباشر.

وطبيعي أننا نتوحد الآن مع ضحايا ذلك المسلسل للأحداث. والتطلع إلى جماعات الزُّراع – جامعي الثمار إنما يعني إحياء تاريخ منسي ومجهول. لكن ذلك ليس هو السبيل إلى التحرر. وليس التقدم نفسه، التغير والتطور، هو الذي دمَّر ومزَّق الكثير جداً من العالم – وخاصةً ورثة أولئك القلائل الذين نجوا من فتح أمريكا. فظروف ذلك التقدم، طابع النظام العالمي للإنتاج والاستغلال، هي ما يجب أن نواجهه. وعلى نطاق عالمي، فإن البشرية قد طورت إمكانات التحرر الإنساني، لكن أولئك الذين يملكون هذه الإمكانات قد كرَّسوها لأغراضٍ أخرى تماماً.

وقد قال إدواردو جاليانو، وهو مؤرخ رائع ومتوقد المشاعر، سجَّل جرائم الإمبريالية والنضال ضدها:
"إن الوحشية الإسبانية التي كثيراً ما يدور الحديث عنها لم توجد قط، لكن ما وُجد ولا يزال موجوداً هو نظام مقيت حتَّم ويُحَتِّمُ أساليب وحشية لفرض نفسه".

إن ورثة ضحايا كولومبوس هم جميع أولئك الذين يتعرضون للاستغلال في النظام العالمي الذي كان موظفاً فيه. والخطر الحقيقي لعام 1992 هو أننا قد نسمح له بأن يكون عاماً تُدَشِّنُ فيه الاحتفالات طبعةً جديدة من نظام يستند إلى الوحشية نفسها وإلى التدمير نفسه.

"هذه الآلهة الجديدة لا يبدو حتى أنها تأكل
فهي لا تستمتع إلاَّ بما تسرقه
إلا أننا عندما أدركنا ذلك
كان الأوان قد فات
وقبل أن نرى خطأنا
كنا قد سلمنا عظمة الماضي
وقد أبقانا هذا الخطأ
في العبودية على مدار 500 عام"



(جابينو بالوماريس : لعنة مالينتشي)

والفارق هذه المرة هو أننا نعرف ما الذي يترتب على إنشاء نظام عالمي رأسمالي. وعلينا أن نتطلع إلى الاحتفال بالقضاء النهائي عليه وبدء عصر حرية حقيقية.

------------
لمزيد من الاطلاع على الموضوع، ارجع ‘لى كتاب تزفيتان تودوروف: "فتح أمريكا : مسألة الآخر"، ترجمة بشير السباعي، دار العالم الثالث، القاهرة، 2003 (ط 2).

0 التعليقات: