مايك جونثالث
"في سبيل الرب
"في سبيل الرب
والذهب
والمجد"
والمجد"
ترجمة
بشير السباعي
(3)
من أكثر سمات الفتح إثارة للسخرية أنه متى وصل كولومبوس أو أولئك الذين جاءوا في أثره إلى فتح أنهم كانوا يلتزمون بادئ ذي بدء بسلسلة من الشكليات الدستورية، كان من بينها تلاوة بيان "فريضة أساسية"، باللاتينية غالباً، يدعو السكان المحليين (الحائرين على ما يبدو) إلى إعلان الولاء الفوري لملك غريب ولرب غريب يخدمه الأول. وسوف تنزل، وقد نزلت بالفعل، عقوبات رهيبة بأولئك الذين لا ينتهزون هذه الفرصة الفريدة!
على أن كولومبوس كان آخذاً في فقدان شعبيته بشكل متزايد، وبعد العجائب التي عاد بها من رحلتيه الأولى والثانية، بدأ يصطدم بجميع أنواع المصالح.
وقد قادته رحلته الثالثة، في عام 1498، إلى رصد مجمل ساحل كوبا وإلى خليج الكاريبي، أما رحلته الرابعة، في عام 1502، فقد قادته إلى الوصول إلى البر الرئيسي الحقيقي للقارة – إلا أنه لم يهبط إليه أو يتوقف عنده. وبحلول ذلك الوقت، كان كولومبوس قد نُحِّيَ جانباً بالفعل. إلا أنه تشبث بدوره بأظافر أصابعه، لكن البحار كانت غاصة فعلاً بالحملات وبالسفن. وآنذاك كانت الشعوب الأصلية – الآراواك وألتينو – شبه مبادة، إذ قتلها بحث الإسبان الذي لا يرحم عن الذهب أو ماتت بأيديها هي في أعمال مؤثرة من أعمال المقاومة الصامتة. وتم استعمار كوبا، فنمت مزارع السكر فيها وأبيد سكانها الأصليون. وكانت تجارة العبيد الأطلسية قد امتدت إلى الساحل الغربي لأفريقيا. ولقي الكاريبي الأسود الجديد سكانه الأوائل متدحرجين من الإعياء من السفن الخشبية الثقيلة البطيئة التي يقودها سادتهم (الإنجليز غالباً) من تجار العبيد.
إلا أن قواعد السلوك التي سوف تحكم هذا العالم الجديد كانت قد حُدِّدَتْ قبل أن يفقد كولومبوس الحظوة. ولم تكن معاملته البربرية للشعوب الأصلية غير تجربة أولية للوحشية التالية. وتقاريره عن أعماله، كما وصلت إلينا، هي أول دفاع عن أعمال إسبانيا.
في عام 1506، صار التاج الإسباني في أيدي آل هابسبورج الطامحين. وكانت لدى الإمبراطور الجديد، شارل الخامس، طموحات في استعادة إمبراطورية رومانية مقدسة كانت يوتوبيا عالم محافظ وكاثوليكي، وكانت أطماعه الإقليمية تتخذ شكل الفتح والاحتلال لا التجارة. وكان القائمون على المشروع هم الجنود الذين كانوا قد اكتسبوا مهارتهم المهنية في حرب استرداد إسبانيا، حثالة النبلاء الذين أحيوا كل طموحاتهم الأرستقراطية في بلاد الأمريكيين. أما الطبقات التجارية في إسبانيا الشمالية، في الباسك وكاتالونيا، فقد استُبعِدت إلى حد بعيد من غنائم الفتح.
ومع تزايد ثقة واطمئنان التاج الإقطاعي الإسباني، "أُغلقت مصاريع العقل" وأُخرِست الأصوات الناقدة. وكان جذر هذا الاطمئنان هو ذهب وفضة بلاد الأمريكيين. فالذهب يستطيع إشباع رجال البلاط وتحويل التجار إلى التجارة الأطلسية. والذهب يستطيع خوض الحروب في أوروبا من أجل التوسع الإقليمي والنفوذ الإيديولوجي. والذهب يستطيع شراء السلع الذي سوف يزود الرأسمالية الأوروبية الشمالية بالوقود اللازم للحركة بينما سوف يؤدي إلى تقويض الطبقة المانيفاكتورية الإسبانية المثيرة للمتاعب.
لقد كان حكام إسبانيا يتمتعون بحكم إلهي، ونجاح الفتح سوف يكفل لهم البقاء في عالم متغير. وتتمثل المفارقة في أن وسيلة تأمين البقاء لهم كانت وسيلة حديثة للغاية – الفتح والاستغلال المنهجي للعمل، إنتاج فائض للتبادل الدولي في سوق عالمية آخذة في الانبثاق. وكانت إسبانيا قوة فاعلة في النظام الرأسمالي العالمي الآخذ في التكون – لكنها كانت ممثلاً إيديولوجياً للعصور الوسطى التي كانت آخذة في التراجع. وكانت دعوى المرجعية الأخلاقية مكوناً لا غنى عنه من مكونات الفتح – لكن عالماً تنافسياً كان يتطلب اتباع أكثر الأساليب وحشية في انتزاع الفائض الذي يرقد تحت تربة أمريكا المكتشفة حديثاً.
ولما كانت التجربة قد تناقضت باستمرار مع الإيديولوجية، فإن مهمة تحجيم الفكر قد أصبحت أكثر أهمية. وهكذا انبثقت محاكم التفتيش إلى الوجود.
وقد جرى السعي إلى احتلال واستعمار المنطقة باسم الحضارة وجرى تبريرهما من زاوية توسيع ملكوت المسيحية عبر العالم. وطالما كان كل ما وجدوه هو جماعات صغيرة مكتفية ذاتياً تعيش على الزراعة وصيد الأسماك، فقد كان تفوق الحضارة الأوروبية في مأمن. لكن الأمر كان مختلفاً عندما واجهت إسبانيا، بعد ذلك بعشرين سنة، حضارات عظيمة كانت قد صاغت أساطيرها الخاصة عن عدالة الفتح وتصوراتها المتغطرسة الخاصة التي تذهب إلى أنها تمثل مشيئة إلهية للعالم. وكانت عقيدة القوى الأوروبية تتمثل في أنها قد وُهبت حق فتح العالم والسيطرة عليه.
وقد زعمت أن ما يحركها هو "الرب والذهب والمجد". لكن الذهب هو الذي احتل الصدارة، ومع تطور الفتح وامتداده إلى المكسيك والبيرو، والتزايد المطرد للمكاسب، اتخذ عنصر المجد مكانه الثانوي بالمقارنة مع البحث الذي لا يكل عن الكنز الأصفر.
يتبع
0 التعليقات:
إرسال تعليق