مغامرة كريستوفر كولومبوس الدموية_5



مايك جونثالث

"في سبيل الرب
والذهب
والمجد"
ترجمة
بشير السباعي




فرانشيسكو بيثارُّو

(5)

في عام 1532، وصل فرانشيسكو بيثارُّو إلى مدينة كاخاماركا في البيرو. وكان قد أنصت إلى شائعات متواصلة عن مدنٍ ذهبية ورجالٍ ذهبيين، وقضى معظم عشرينيات القرن السادس عشر في البحث عن طرق تؤدي إلى أراضي الجنوب الخرافية. وفي عام 1529 حصل على التصريح الملكي باستكشاف وفتح المنطقة. وهبط هو وشريكه آلمارجو في عام 1530 في الإكوادور الحالية. وكانت قوتهما تتألف من نحو 170 أسبانياً – وصحيح أنهم كانوا جنوداً مجربين وأنهم كانوا مزوَّدين بمدفع و62 جواداً. إلا أن أياً من ذلك لا يمكنه أن يكون كافياً لتفسير السقوط السريع لإمبراطورية الإنكا غير العادية في أيدي الإسبان.

لقد كان الحظ حليفاً للإسبان. فقد وصلوا في عين اللحظة التي كانت فيها الإمبراطورية ممزقة بنزاعاتها الداخلية الخاصة. وكان الإنكا مجرد أمة واحدة من أمم كثيرة متحاربة فيما بينها منذ مستهل القرن الخامس عشر. ومنذ عام 1438 فصاعداً، أخذوا يتوسعون بسرعة مدهشة، وكانت الحصون الجبلية الرائعة تحمي مدينة كوثكو المقدسة من الغزو وكان طريق رئيسي يخترق الذرى العالية للجبال الراسية على طول حدود الإمبراطورية التي تمتد مسافة 5000 من الكيلومترات. وكانت شبكة ري مركبة لا تزال تعمل إلى اليوم تكفل غلات عالية من الذرة والبطاطس في مزارع على ارتفاعات شاهقة.

وكان الإنكا فاتحين. وكانت ديانتهم، القائمة على عبادة الأسلاف، تدعو إلى التوسع المتواصل والسريع. وقد بدا لبعض المراقبين المتأخرين أن النظام الاجتماعي كان نموذجاً للجماعية. لكن الديموفراطية القاعدية ما كان بوسعها حجب الطبيعة الهيراركية والجامدة للمجتمع ككل. إلا أن التوسع كانت له حدوده وقد خلف جوانب ضعف قاتلة.

وما حدث عندما ألقى الفاتح بيثارُّو آتاهوالبا إنكا في كاخاماركا معروف للجميع. لقد وصل آتاهوالبا إلى ساحة المدينة برفقة نحو 10000 جندي، مفترضاً أن القوة الإسبانية الصغيرة سوف تهتز أمام هذا المشهد وتنضم إليه. لكنه لم يحسب حساب الطمع والغدر الإسبانيين. ولدى إشارة محددة سلفاً وقع زعيم الإنكا في الأسر وحُددت فدية لإطلاق سراحه.
لقد كان دمار إمبراطوريتي الآزتيك والإنكا محصلة مواجهة بين مجتمعات سلطوية مندفعة إلى توسع شامل.

وهناك خلافات فيما يتعلق بعدد سكان أمريكا اللاتينية عند وصول الإسبان إليها لأول مرة – ومن الواضح أن رقم العشرين مليوناً هو تقدير محافظ. والأمر المؤكد هو أن 80 في المائة منهم قد ماتوا في غضون جيل واحد – ماتوا من الأمراض الإسبانية، ماتوا من العمل أو من التعذيب بقصد دفعهم إلى العمل، ماتوا لأن عالمهم وهياكل دعمه واستمراره قد دُمرت بشكل منهجي. وقد دُفع رعايا الأباطرة الإنكا والآزتيك إلى العمل في المناجم المرعبة أو إلى العمل الذي لا يكل في الأرض، لإطعام وإعاشة إمبريالية غير منتجة وجشعة بلا حدود.وذهبت المعادن الثمينة إلى تمويل الخطط التوسعية المتهورة بشكل متزايد لشارل الخامس ولابنه الطائش فيليب الثاني، ومُولت اقتصادات أوروبا الشمالية بالذهب والفضة الإسبانيين اللذين عادا بالأسلحة والسلع والأغذية اللازمة للإبقاء على جيوش الاحتلال. ومما يدعو إلى السخرية أنه بحلول أوائل القرن السابع عشر كان الجوع قد عاد إلى إسبانيا على نطاق واسع حيث أدى التضخم غير المسبوق إلى رفع أسعار السلع الأكثر أساسية نفسها إلى عنان السماء.

يتبع

0 التعليقات: