تمزقات_8

1955

جويس منصور



المطرُ يهطلُ في المحارةِ الزرقاءِ التي هي مدينتي
المطرُ يهطلُ والبحر ينتحبُ.
الموتى يبكون بلا توقفٍ، بلا سببٍ، بلا مناديل
الأشجارُ ترتسم جانبياً إزاء السماء الراحلة
كاشفةً جوارحها للملائكة وللطيور
لأن المطرَ يهطلُ والريحُ تصمتُ.
القطراتُ النَزِقَةُ المنتوفةُ الريش من الوَسَخِ
تطاردُ القططَ في الشوارع
ورائحة اسمكَ الزكيةُ تفيضُ على أسمنت
الأرصفة.
المطرُ يهطلُ يا حبي على العشب الأسيان
حيث نما جسمانا المتمددان مبتهجَيْن
على مدار الصيف.
المطرُ يهطلُ، أوه يا أمِّي، وحتى أنتِ لا تقدرين على شيء
فالشتاء يمشي وحده تماماً على امتداد شطآننا
وقد نسي الله إغلاق الصنبور.

*

إن كانت الأسماكُ تتوارى تحت البحر
والمرجاناتُ الشاحبةُ من القلقِ تُحَيَّيكَ بلا كلمةٍ
فَأَسْرِع لأن التيار يركض.
إن كان الأطفالُ السودُ الذين بلا أمل في أن يجدوا غذاءً
يَغْرقون
في صقيع قلبك الكئيب
فَأَسْرِع، أيها الرجلُ المريضُ المُرَصَّّعُ بالشفقة
اقتل نفسكَ لأنَّ الحشودَ تتمرد.
لقد دقت ساعةُ ارتداء شبحك
أبصر، الشفقة ليست رداء هذا العام.

*

سَرَقْتُ الروحَ المُذَهَّبَةَ لشمعةٍ جميلةٍ
والرائحةَ المخمليةَ لخنزيرٍ ريفيٍ.
وحقَ مداعبتكَ، أوه يا عاشقي.
سَرَقْتُ
اسم زهرةٍ ذابلةٍ على مقبرةٍ
والفخذَ الطريةَ لريفيةٍ
وإهابُ روحكَ، آه يا عاشقي.
سَرَقْتُ، أعرفُ ذلك لكن الله غَفَرَ لي
لأن فراشي دنس
ويداي ملعونتان
وغنيمتي جائزة رحمته.

*

أنا في الليل ضفدعةٌ
الكلُ نائمٌ والكلُ يسمعُ
الصوتَ الخفيَ للماءِ الراكد
والذي يغمغم.
أنا في النهار أفعى
أنام ويمكنني أن أسمع
لَجَبَ الشمسِ على ماءِ عينيكَ الأخضر.
ولكن حين يرتفع الضباب
على الروابي الرمادية لطفولتي
أهمسُ بأسماءِ الجنِّيات
التي ترعى في المروجِ
والتي تغمرُ وجوهها الجميلةَ
في دموعِ ماضيَّ.

*

أَتَذَكَّرُ رَحِمَ أُمي
كان وردياً بشكل رقيق
وكانت جدرانه فواحةً بالرعب.
أتناقشُ واقفةً
كازَّةً على أسناني الصغيرة
مع القطِ ذي الذيول المقضومةِ
وعدوه أَبي.
طفلي مولودٌ في أحشاء أُمي
عيناه الزرقاوان تعكسانِ اسمي
في غباوتهما الكثيفة
وهو يشبه القطط الصغيرة
التي تجوس في الشوارع الملتوية
والتي تُخفي ذيولها المقضومَةَ
في جيوب معاطفها الخاويةِ.

*

شجرةُ وردٍ تصعدُ بين نهديكِ اللذين من شمع العسل
طرِّي حدبتكِ، يا جيزيل
الشمسُ تتجاوز تحت ملابسكِ الداخلية
قَوِّمي حدبتكِ يا جيزيل.
سمعتُ شكواكِ عبر الضباب
تبعتُ ظلك في الشوارع التي بلا خبز
أُريدُ أن أكون أب حدبتكِ، يا جيزيل
أريدُ أن أكون زوج مَلِكَةٍ.

*

رأيتكما مضمومين في الريح
مبلولين بلسان الرغبة الخشن
وصدراكما اللبنيين متحدين
دون نَفَسٍ
كبوصتين أسكَرَتْهما رِقَّةُ الماءِ
كتوأمين.
رأيتكما راقدين في ذَهبِ النباتات الشائكة المُرّ
تمزقان جلديكما اللذين لهما ظلالٌ خفية
تُفرزان أعلى شهواتكما
نائمين.
وأنا كشجرة يوجعها عريها
وحيدة، مسحوقة في وجه سماء خبيثة
لم أَكُن غير هُزأة تعيسةٍ دَهِشَة القلب.

*

اسمعني
تسمعني يداك
لا تُغمض عينيك
فخذاي لا يزالان مفتوحين
بالرغم من ضوء الهاجرة الصارخ
بالرغم من الذباب
لا تَرفُضْ كلماتي
لا تهُزَّ كتفيك
اسمعني يا إلهي
لقد دفعتُ العُشر
وصلواتي قيمتها تساوي قيمة صلوات جارتي.


ترجمة بشير السباعي عن الأصل الفرنسي
تمزقات

0 التعليقات: