1955
جويس منصور
كيف يمكن تهدئةُ ظلِّ الموتِ الذي بلا حراك؟
صامتاً يحرسُ قلبي، ذلك الميتَ الذي لم يُغسل جيداً
صامتاً يَغْسِل عينيه الملتهبتين
ويبكي.
كيف يمكن معاقبةُ الفقراء الذين بلا مأوى
الذين يقرعون بابي ويهددون هنائي
بدموعهم؟
كيف يمكن لي أن أثأر من المجنون الشائخ الذي يضربني
على قبرأمي دون مراعاةٍ لرُفاتها
دون أن يخلع قبعتهُ
دون أن يكفَّ عن شُرْبِ
دموعي؟
صامتاً يحرسُ قلبي، ذلك الميتَ الذي لم يُغسل جيداً
صامتاً يَغْسِل عينيه الملتهبتين
ويبكي.
كيف يمكن معاقبةُ الفقراء الذين بلا مأوى
الذين يقرعون بابي ويهددون هنائي
بدموعهم؟
كيف يمكن لي أن أثأر من المجنون الشائخ الذي يضربني
على قبرأمي دون مراعاةٍ لرُفاتها
دون أن يخلع قبعتهُ
دون أن يكفَّ عن شُرْبِ
دموعي؟
*
رأيتُ عُرْفَ فَرَسِكَ الأزرقَ، يا صديقي
على رأس خنزيرٍ لا تعرف الألم.
رأيتُ ردفَ فرسك المستدير، يا صديقي
وقد حَسِبَتْهُ بطةٌ عُشًّا.
أكلتُ عينيَّ فرسك الأثيرة
خلال مخاضي
وطفلي ميتٌ إذ يجيءُ إلى العالم
بحيث إنه كان يُحمحِمُ.
*
فتاةٌ صغيرةٌ تبكي في فراشها
فتاةٌ صغيرةٌ تخفي أمنياتها
أمنيات بشعة تجتذب الجوبلينات
تلك الجنيات الأثيثة، الصاخبة، الشرسة،
التي تُعَلِّمُ ألعابَها السرية
للصبايا المتوحدات اللاتي لا يُحببنَ العرائس
واللاتي لا آباء لهنَّ في قلوبهنَّ الطرية
لكي يغذوا حياتهن، حياة الأطفال المراهقين
بالأحلام، بالدين، وفيما بعد
بالمال.
*
حقول الأُرز
الباردة من نداوة الشفقِ المديدة
ترتجفُ - فيهبطُ الليل.
الأشجارُ المُذَهَّبةُ التي تسكن هيجاني
ترتجفُ أيضاً عندما ينتصبُ عُضوك.
الصحراء العطشى، مهتزةً تماماً
تُسلمُ نَفسها للرياح
والموتى يأرقون.
مهتزةً أسلمُ نَفْسي لشفتيك
ممسكةً روحي بيدي
بحثاً عن راعٍ.
*
وحدي أتسكعُ في كهوفِ اليأسِ الكئيبة
وحدي أذوقُ اللحومَ النجسة
وحدي أموتُ، وحدي أبقى،
دون آذانٍ لسماع ولولات الهولوكوستات
فمي الفارغُ من الكلماتِ، يتأوَّه.
أنا الأرضُ حين غادرها الماءُ
أنا الحبُ حين أنجز اللهُ الخَلقَ
أنا نفسي
أنا العدو
وحدي...
*
ثلاثُ نساءٍ ضخام ورجلٌ عجوز
بيتهم فخٌ.
النوافذ مغلقةٌ لكي يُحكموا حِفْظَ لحومهم
يأكلون أجنَّةً على هيئة مقانق.
عرايا بشكلٍ حلوٍ تحت إهابهم الرخو
يخوضون في حماماتٍ من اللبنِ
كامنين بغرغرات للمرضِ الذي يَقرِضُ.
الشيخوخةُ، يا لها من فتنة!
*
افتحْ أبوابَ الليل
ستجد قلبي معلقاً
في الدولابِ الفَوَّاحِ بَرائحةِ الحُب
معلقاً وسط ثياب الفجر الوردية
وقد التهمه العَثُّ والوسخُ والسنون
معلقاً بلا ثياب، سلخه الأملُ
قلبي ذو الأحلام الغرامية الجامحة
لا يزال يحيا.
*
المفرشُ الأحمرُ
المُلطَّخُ بالدم
يتهدَّلُ على كتفيّ التمثالِ البرونزي.
فئرانُ الرغبةِ
تأكلُ القضيبَ الطري
المخبوء في يدِ
نحاتٍ
مجنون.
*
أضاءوا العين الصفراء
بأنوار العيد.
ثيابهم القصيرة، ثياب المهرجين اليائسين
تزدادُ طولاً
نسمع الخطوات المسرعة المغرورة
للديكة وللرجال الذين يسكنون الضاحية
الذين لا يريدون تفويت القطار الأخير
لكي يكونوا متأكدين من الوصول إلى قدم سريري
قبل القمر.
*
أريد أن أحبس نَفْسي بعيداً عن ضحكاتكم
بعيداً عن القطط المقطوعة الرؤوس.
لم أَعُدْ أُريدُ سماعَ الزفرات المتحشرجةِ
ولا خطوات الأرواح الضامرة.
لم أَعُدْ أريد أن أكون وحيدةً في غرفةٍ مأهولة
لم أَعُدْ أريد أن أرى أعضاء إخوتي الممزَّقة
أريدُ أن يتحدث الناسُ إليَّ دون أصداءٍ، دون أغلال
أعيدوا إليَّ دماغي، أعيدوا إليَّ الأرق
أعيدوا إليَّ الفضاء!
*
النجارُ العجوزُ يعملُ نهاراً وليلاً
دون أن يرفع عينيه الشاحبتين، عينيَّ الأرنب
دون أن يريح جسده الشائخ، جسد الضفدع
دون أن ينتبه إلى أن يديه هما ما ينشره
أنه يُنَجِّرُ في لحمه
دواليبي ذات الأمتار الخمسة المصنوعة من البلوط المطلي بالاسبيداج.
*
أيها الزنجي العاري، خرجتَ من السجن
وأنت تُصفِّرُ.
أيها الزنجي العاري، تركتَ لي مئزركَ
وأنت ترحل.
انسَ كل ذلك
نحن الآن شائخون
ومئزرك الأبيض
لن يذهب إليكَ بعد.
*
الأسوار تعلو
رحماك يا رب آبائنا، يا إلهنا نحن الذين حَلَّتْ بنا اللعنات
أسوار اليأس القاتمة تحاصر رؤوسنا، سماواتنا، بيوتنا
ادرأ عنا حِنْقَ الحاسدين
اعفُ عَنَّا، أنت يا من تشهدُ محنتنا
انس ظنوننا، ما قَدَّمَتْ أيدينا، خطايانا
امنحنا الرجاء حتى وإن لم يعد هناك رجاء
أسوارُ الاحتقار تحيطُ بنا بالرغم من صرخاتنا
أعِنَّا، أَعِنَّا، أنت يا من لم يعد ذلك بوسعك
أنت يا أيها الأصم، المشلول، المُتعَبُ
الشائخُ جداً بحيث لا يمكنك إنقاذنا حتى لو شئت ذلك
يا إله العاجزين، إله الأبرياء
الإله الذي ما عادت له مهنة
غير مهنة الموت.
*
متدحرجةً، متدحرجةً كبيضة في قفص
غازلة في عصبية صوفَ الزوجات الأبيض
مُهَمْهِمَةً بين شفتيها الزروقاوين
بتفوهاتٍ حلوةٍ وبكلماتٍ مجوسية
المرأةُ التي لها سأم البومة
تحضن تحت تنورتها الضبابية
الليلَ الذي لا ينتهي والإعصار.
*
ال 8 يرتسمون
حول نهديَّ
البَيْضُ المُنَدَّى بالدم
الذي هو سري
يُزهر ويبكي
يُزهر ويموت
بينما الظلال تَصْفَرُّ تحت الأشجار
والأعوامُ تغرقُ في الليل.
*
ترجمة بشير السباعي عن الأصل الفرنسي
يتبع
0 التعليقات:
إرسال تعليق