صرخات_2


1953

جويس منصور



شعره الأصهب له رائحة المحيط.
الشمس الغاربة تنعكس على الرمل الميت.
يتمدد الليل على سريره المصنوع من الأبهة.
بينما المرأةُ اللاهثةُ المرتجفة
تتلقى بين فخذيها الخائرتين
القبلات الأخيرة لشمسٍ تموت.


*


أنت تحب الرقاد في فراشنا المهزوم.
قطرات عرقنا السابقة لا تثير اشمئزازك.
مفارش سريرنا التي وسختها أحلامٌ منسية.
صرخاتنا التي تجلجلُ في الغرفةِ الكئيبة.
كل هذا يثير جسدك الجائع.
أخيراً يضيءُ وجهُك الكريه
فرغباتُ أمسنا هي أحلام غدك.


*


دع عينيك تطفوان على الأمواج
دع الريح تملأ جسدك بصرخاتها
امنح بطنك المشعرة لمداعبات الشمس
استهلك صوتك، حيواتك، نساءك
لكن لا تنظر إلى عينيَّ النائمتين
خشية أن تتحد نظرتي بنواياك.


*


انتظرني
أكاد أشعر أن الزمن يفر
من غرفتي حيث تنام دموعي في فراشي.
أعرف جسدك الوعر
الذي يرقص دون توقف على جلجلات ضحكاتي.
أعرف جسدك الفاجر
الذي لا يحبُّ غير سخونة المحتضرين
في ذراعيه، على فمه، بين فخذيه ذواتي الشعر الكثيف.
انتظر علَّ لذتي تتهيأ للموت
انتظر علَّ جسدي يتمدد، يتصلب
قبل أن يسليك.


*


تجلس على سريرها والساقان مفتوحتان.
أمامها قدح
تبحث عن أكل لكنها لا ترى شيئاً
المرأة ذات الأجفان التي أكلها الذباب تتأوه.
عبر النوافذ يدخل الذباب
يخرج عبر الباب
يدخل في قدحها
عيونٌ حمراء
ذبابٌ أسود
تأكلهُ المرأةُ
التي لا ترى شيئاً


*


إنها تحبني بأنانية
تحب أن أرشف لعابها الليلي.
تحب أن أمرِّر شفاهي الملحيَّة
على فخذيها الفاجرتين، على ثدييها الساقطتين.
تحب أن أبكي ليل شبابي
بينما تستنفد عضلاتي التي تغتاظ
من أهوائها الفاحشة.


*


امرأةٌ جالسةٌ أمام طاولةٍ مكسورة
والموت في الأحشاء.
لا شيء في الدولاب
مكدودةٌ من كل شيء حتى من ذكرياتها
تترقب والنافذة مفتوحة
الضوء ذا الألف وجه
الذي هو الجنون.


*


الأقدام الآثمة
الأيدي المقيدة
الأحشاء التي تتدلى
ما من صوت للصراخ
وأنت الذي تنصب نفسك في جسدي المقتول
لكي تلازم أرقي وسهادي.


*


ليس ذنبي أن أظافرك تتزايد طولاً
ليس ذنبي أن شعرك يسترسل
ليس ذنبي أن أحداً لا يبكيك
ليس ذنبي أنك قد بردت يا عزيزي
فأنا لم أتمنَّ موتك.


*


الأخفاف الحمراء للكلبات في فصل الهياج
الشعر اليابس المستعار لنساء بلا جمال
الصرخات التي تهمس بها الحيوانات التي بلا نعاس
الحيوانات التي يحبها المرء، التي يضمها إلى صدره، التي يخنقها في سريره
الحيوانات التي لا أهل لها ومع ذلك تُدْفنُ بكل هذه الأبهة
أيُّ عالمٍ قاسٍ هذا
عالمُ المحبةِ المُشتراة.


*


بين صخرتين عاليتين مدببتين
تحيا امرأةٌ عجوز.
في الأرض المرصعة بالتُرُنجان
استقرت قدم.
حيوانات الليل والأحلام
تغذيها بالأغنيات الضائعة
تنتظر هناك أن تنطفئ السماء
حتى تُحَرِّر الأبدية.


*


تريد أحشائي غذاءً لك
تريد شعري لكي تشبع
تريد حقويّ، نهديّ، رأسي المحلوقة
تريد أن أموت ببطء، ببطء
أن أغمغم بكلمات طفلٍ وأنا أموت.


*


على الشاطئ المفضض ذي التأوهات المستَشَفَّة
قرب صنوبرات مصلوبة على السماء الغائبة،
أنتظركَ.
آثار قدميك تركض على الرمل المعطر
ملعوقة من البحر الغيور، ضائعة، مذعورة
مثلي.
تركتنا نائمين على الشاطئ
في الهاجرة
ونحن ننتظرك هذه الليلة طوال الليل دون صبر
عارفين في أعماق قلوبنا المسكونة بحضورك
أن الشاطئ سوف يظل فارغاً من الآن فصاعداً.


*


بلى، لي حقوق عليك.
لقد رأيتك تذبح الديك.
رأيتك تغسل شعرك في ماء المزاريب الوسخ.
رأيتك منتشياً برائحة السلخانات النفاذة
وفمك متخم باللحم
وعيناك مترعتان بالحلم
رأيتك تمشي تحت بصر رجال خائري القوى.

ترجمة بشير السباعي عن الأصل الفرنسي

يتبع

0 التعليقات: