صرخات_3

1953

جويس منصور



جُزُرُ الأمراض
بمجذومين كالببغاوات
بحر الصمت المتصدع بساعة الشيخوخة الناطقة
صرخات كابةٍ صغيرةٍ ممزقة
المصحة تسهر على موتاها – الأحياء الذين لم يولدوا.


*


أحبُّ اللعب بالأشياء الصغيرة
الأشياء التي لم تولد وردية تحت عينيّ الطائشتين.
أربت عليها، أوخزها، أقتلها، ثم أضحك
الأشياء الميتةُ لا تبرح مكانها بعدُ
وأنا أندم على حمى طيشي
أشفق على أسلافي المنحطين
كان يتعين عليَّ محو دم أحلامي
بإلغاء الأمومة.


*


أخطبوط مُشرَّبٌ بالسكَّر ومذهَّبٌ
يتخبط على فخذي المحزّزة
والموسيقى، هذا الحمار الوحشي المخطط الملون،
تنساب سوياً من البوق الرخو،
الراقصون ذوو المفاصل المطاطية
يجْلون قضيبهم المجبول من المخمل المموج
على سقف الشريعة المكسو بالبلاتين.
في انتظار أن ينام أخطبوطي على اللعاب المقدس،
والساعدان والفخذان في بكارتهما،
مزرقاً من الكلمات ومن شراب الجن.


*


الأمازونية تأكل ثديها الأخير.
في الليلة السابقة للمعركة الأخيرة
جوادها العاري من الشعر يتنفس هواء البحر الندي
متحركاً، مهتاجاً، محمحماً رعبه
لأن الآلهة تهبط من جبال العلم
حاملةً معها البشر
والدبابات.


*


الفخذان المجنحتان للعجوز المحدودبة
معلقتان على برج الأجراس المفلوق برجين
القطط المجنحة التي بلا ذيل ولا صراخ.
في فراشي أحاول أن أفهم
الدم الذي ينز من رحمي المهتاج.


*


السفن تمر دون صخب
على الماء الموحل المتورد تحت الشمس
المتورد من دم أبقار ما عادت تشكو
المتورد من دم أطفال ربما غرقوا غرقاً شريراً
المتورد، ربما، من دمك الملطخ.
السفن تنساب دون صخب
على الماء الراكد، الراكد، ذي التيار البطيء
وجسدك ينساب أيضاً مسحوباً نحو البحر بعيداً.
مهشَّماً بالعصيّ وممصوصاً من الوحل
مسحوباً نحو النسيان.


*


سأصطاد روحكَ الخاوية
في النعش الذي يتعفن فيه جسدك،
سأقبض على روحك الخاوية.
سأنتزع أجنحتها الخفاقة
أحلامها المتخثرة
وسأبتلعها.


*


لقد سئمتُ.
فقد احتضنتُ كل شيء
رأسك، قلبك الفظ، دينك.
قبلتُ كل شيء
إلى أبعد حد بحيث إن جسدي المكدود
ما عاد بوسعه الرجوع، ما عاد بوسعه النهوض
من المزراب الذي هو سريرك
من الوسخ ومن الزفت
الذي يتسلي فيه المرء.


*


كنتَ جالساً مستريحاً
فوق دبٍّ أسود.
كنتَ تمزق شرائط من الجلد
بأصابعك المتلألئة في وجه السماء الدامية
وبينما كنت تخلق عالماً جديداً
انهمرت الثلوج.


*


يا قرداً يريد زوجةً بيضاء
يا قرداً يشتهي أثداءً رقيقة
يا قرداً يحبُّ أسرَّة النساء
يا قرداً قبيحاً بائساً أبلهاً
ما من امرأةٍ يمكنها الابتسام بين يديك
فلتحسن يا قرد إذاّ
اختيار أنثاك.


*


رجل نظر مبتسماً إلى المنون في وجهها
كانت منتشيةً على فراشها اللازوردي
كانت راقدةً، معدنيةً وجميلة.
انحنى رقيقاً ومشتهياً
أن يتذوق على شفتيها حياة أزهارٍ عمرها يوم
دم أطفال، دم حيوانات، دم أسماك.
مس شفتيها بفمه البارد الحس
ومات دون أن يفهم
عدم فهمه.


*


أرتجفُ تحت يديك الفرحتين
أشربُ الدم الذي يسقط من فمك المتصدع.
المفرشُ الأسودُ يستكينُ تحت أفخاذنا المتحدة.
وبينما تلوكُ أُذني المبتورة.
ألهج باسمك وبأحلامي المُبعدة.


*


الدربُ الخاوي المظلم المُرمِلُ
الأقبيةُ، القبورُ، الكلابُ الجساسة
الكلابُ التي تنبحُ من أجل جثثٍ جديدة
من أجل قبورٍ بادئة، من أجل نعوشٍ محلولة
الموتى، الموتى غير الطيبين الذين لا يريدون الاستسلام
لإشباع الأرض الجافة بلحومهم المتألمة.


*


رقبتك المقطوعة.
رأسك التي تنزف
مفصولةً عن جسدك
مكشرةً وعمياء.
رقبتك التي تنزف قطرات جنون
عيناك اللتان تسكبان دموع الرغبة
وأنا التي أرشف
حياتك التي ترحل.


*


زنجيةٌ ميتةٌ على الرمل الأبيض
بلا أفكار، بلا روائح، بلا ثياب
بين فخذيها تنساب الريح،
تضغط الشمس شفاهاً حارقة
على خاصرتها المرضوضة، على عينيها المفتوحتين.
الموجاتُ الخبيثةُ تتحيَّنُ لذتها
وتروحُ وتجيء.


*


خائفٌ هو ومضطرب
فالأرض تهربُ والحلمُ يبدأ.
ساعة حياته تتنفس بصعوبة.
حول سريره
تنفثُ أفكارهُ المحرفةُ في أذنيه
الرعب.


*


تلَّةٌ في مواجهةِ تلَّةٍ بلا حراك
أراهما.
الجواد الجريح يرفعُ رأسه لكي يحمحم
يفتحُ فمهُ الذي لا يخرجُ منهُ أيُّ صوت
ثم يموت.
الجوادُ الوحيدُ بين بيتين متهدمين
يحنى رأسهُ مكدوداً، رقيقاً وضائعاً،
ينام.


*


الذباباتُ على السرير
على السقف، في فمك، على عينيك.
أيها الرجلُ العاجزُ الخبيثُ الجاهل
الراقد عليها في كاملِ ثيابك
دع لي جلدي
لا تُفرغ أحشائي.

ترجمة بشير السباعي عن الأصل الفرنسي


يتبع

0 التعليقات: