كواسر_2

1960

جويس منصور



PERICOLOSO SPORGERSI


عاريةً
أطفو بين حطام بشرٍ لهم شوارب من الفولاذ
صدئةٌ بأحلامٍ يقطعها
نعيبُ البحر الرخيم
عاريةً
ألاحقُ أمواج الضوء
الراكضة فوق الرمل الموشَّى بجماجم بيضاء
صامتةً أرفُّ على الهاوية
الصقيعُ الكثيفُ الذي هو البحر
ينيخُ على جسدي
وحوشٌ أسطوريةٌ لها أفواه بيانوات
تسترخي في المهاوي في الظل
عاريةً أنام


*


انظر، لقد عافت نَفْسي الرجال
توسلاتِهم جزات زغبهم
إيمانهم أهواءهم
سئمتُ فضائلهم الزائدة عن الحدّ
ذات الثياب القصيرة
سئمتُ هياكل أجسامهم
باركني أيها الضوء المجنون الذي يضيء الجبال السماوية
أطمحُ أن أرجع فارغةً كعين الرقاد
المطمئنة
أطمحُ إلى أن أرجع نجمة


*


أحلمُ بيديك الصامتتين
المندفعتين على الأمواجِ
الصعبةِ المتقلبةِ
واللتين تهيمان على جسدي بلا عَدْلٍ
أرتعدُ أذبلُ
إذ أفكر في سرطانات البحر
الزبانيات المتجولة الشرهة إلى الفوز
التي تكشطُ مَنيَّ السفن النائمة لتنشره بعد ذلك على ذرى الأمواج في الأفق
الذرى الكسولة المُعفَّرة بالسمك
حيث أسترخي كل ليلة
مُترعةَ الفم دفآنةَ اليدين
بحارةً مُسَرنَمةً مُمَلّحَةً بالقمر.


*


سأسبحُ في اتجاهك
عبر الفضاء الشاسع
الذي بلا حدود
الحامض كبرعم وردة
سأجدكَ أيها الرجل الجامح
النحيل الغارق في الدنس
قديس الساعة الأخيرة
وستجعلُ مني فراشك وخبزك
وأورشليمك.


*


سأكتب بكلتا يديَّ
يوم أصمتُ
سأتقدمُ صلبةَ المفاصلِ
وصدريَ الناهد
المريض بالصمت المكبوت
سأصرخُ بملء أحشائي
يوم أموت
حتى لا أقع حين تسبرني يداك
عاريةً في الأرض اللهوب
سأخنقُ نَفْسي بكلتا يديَّ
حين يلامسني ظلك
ممزقةً في قبري حيث تلمع فُطْرات
سألملمُ نَفْسي بكلتا يديَّ
حتى لا أذوب في صحن الكهف
حتى لا أكون سبيةَ حبي الزائدِ عن الحد
وستهدأُ روحي
عاريةً في جسدي المُبهِج.


*


غارقةً في أعماق حلمٍ مُمل
أُعري الرجُلَ
الرجل، هذا الخرشوف المكسو بالزيت الأسود
الذي ألعقه وأطعنه بلساني المصقول جيداً
الرجل الذي أقتله، الرجل الذي أجحده
ذلك المجهول الذي هو أخي
والذي يدير لي خده الآخر
حين أفقأ عينه، عين الحَمَلِ الباكي
ذلك الرجل الذي في سبيل الجماعة مات مقتولاً
أمس وأول أمس وقبل ذلك وبعدُ
في سراويله المتهدلة البائسة، سراويل الإنسان الأسمى.


*


يداك تعبثان في صدري قليل العري
مطوِّقتين خصلاتٍ شقراء
قارصتين حلمتين
جاعلتين أحشائي تصر
مُخثرتين دمي
كان لسانك هائجَ الحنق في فمي
يدك وسمتْ خدي بالبهجة
أسنانك خربشتْ تجديفاتٍ على ظهري
نخاعُ عظامي ذاب بين فخذيَّ
والسيارةُ تركض على الدربِ المتعجرف
ساحقةً عائلتي على الممر.


*


تتقدم على جوادك الخشبي
ورمحك الرهيف الذي من الشهوة
المفعمُ بشذا الطفولة البرئ
مشدودٌ أمامك
عازماً على اختراق اللامبالاة الجسيمة
للفُطْرات المكتسية بالساتان الوردي
الراقدةِ في طريقك
طريق الفارس الذي بلا لحيةٍ
ولا نقيصةٍ ولا فتحةَ سروالٍ.


*


سأغمسُ نَفْسي في فُرشاتي ذات المخالب
معجبةً ببطني المُرَبَّعَةِ
بأسناني الصهباء
بعينيَّ الغائرتين
منتظرةً وصول غير المؤكد
مكتسيةً في زهوِ رغوةِ الصابون والبراز
ببغاء صغيرة في قفصٍ جد مُذهَّب
ضجرةً من العجز عن عملِ شيء بملء إرادتي.


*


أنتم لا تعرفون وجهي الليلي
عينيَّ الشبيهتين بأحصنة الفضاء المجنونة
فمي الملطخ بدمٍ مجهول
جلدي
أصابعي أعمدة الإشارة المرصعة بالبهجة
سوف توجه أهدابكم نحو أذنيَّ، لوحَي كتفيَّ
نحو حقل لحمي المفتوح
مدارجُ ضلوعي قد تنقبض إذ يخطر لي
أن أصواتكم قد تملأ حلقي
أن عيونكم قد تبتسم
أنتم لا تعرفون شحوب كتفيَّ
في الليل
عندما تتطلبُ شُعلُ الكوابيس المُهَلِّسَةُ الصمتَ
وأن حوائط الواقعِ الرخوةِ تتعانقُ
أنتم لا تعرفون أن عطور أيامي تموت على لساني
عندما يجيء الأشرارُ ذوو السكاكين المسترسلة
أن قلبي الأَنوف وحده هو الذي يبقى
عندما أغوصُ في حمأةِ الليل.


*


تعرفُ مازلتَ رائحةَ الأعشابِ الجميلةَ
كم يمكن للأشياء المألوفةِ أن تكون غريبةً بعد رحيل
كم هو كئيبٌ الغذاء
كم هو فاترٌ الفراش
والقططُ
تَذْكُرُ القططَ ذات المخالب الثاقبة
التي كانت تموء على السطح عندما كان لسانك يحفرني
والتي كانت تتنمر عندما كانت أصابعك تسلخني
كانت تهتزُ عندما كنتُ أستسلمُ
لم أعُد قادرةً على الحبّ
فُقَّاعَاتُ الهذيان الموجعةُ تسقط من شفتي
لقد هجرتُ قناعي، قناعَ ورقةِ الشجرة
شجرةُ وردٍ تحتضرُ تحت الفراش
لم أَعُد أَتَوارَكُ بين الحصى
القططُ هجرت السطح.



* * *


قِصَرُ نَظَرِ الذين بلا موعد


لم يكن لها غير عين
عين من الصفيح
كانت امرأةً صالحةً
لم يكن لها غير قميصٍ على ظهرها ذي العظام المستوية
ولفتين من الشحم بين القميص والقلب
وبرةٍ على الشفتين
لفاعٍ زغبي دون رونق
تذكرةِ مترو بين القميص والشفتين
كانت أنيقةَ الملبس
بلا مقابل.


*


البومةُ البلهاءُ للغاباتِ المعتمةِ
تُعَلِّمُني
أن الحقيقةَ ليست بعدُ الحقيقة
دون أقنعتها
أنه لا يجب الإصغاء للحنِ الحياةِ الخرساء
دون القدرة على فهمه
أن الوحدة تبدل كلَّ الأصوات
حتى صوت الكراهية
أن الألم البطئ
للفلاحين الذين بلا كدٍّ
يُباعُ ويُؤكلُ كالخبز
أن الضحية تعاني
من الرعونةِ الضاريةِ للجهاز المعوي
وخصوصاً كيف تحملُ الإباء على ظهرها
دون أن تبدو
حدباء.


*


هناك
صخرةٌ فريدةٌ لا تتجزأ تحت مشدي الذي من الدانتيلاَّ
فرخٌ صغيرٌ ذو عينين مائلتين
يوخزُ تربةَ جفني الملتهب
كلبٌ ودودٌ بين أصابعي عندما أوقِّع
رائحةُ لبنٍ جميلةٍ عندما أقتُلُ.


*


النحلةُ التي تضيع وقتها متململةً على زهرة
الرجلُ الأسودُ ذو الإبطين الطريين
الذي يخفي رأسه بين يدي
والذي يمشي في ظل الظل
الظل.

يدكَ التي تنسحبُ على الثوب كبقعةٍ من الشحم
يدكَ التي لن تستيقظَ بعدُ
كل هذه الأشياء الضائعة المبددة المحزنة
كرقاد الرَجُلِ الذي سيموتُ عند الفجر
والذي يعرفُ ذلك
محراثُ روحي يشق مساره غير المرئي في المستنقع
الليل يرتجُ على عقبيه
يا إلهي، كم أنا خائفة.


ترجمة بشير السباعي عن الأصل الفرنسي

0 التعليقات: