15 مارس 2010
صحيح أن التنوير الفرنسي لم يكن منسجماً تماماً، فهو ظاهرةٌ معقدة وذاتُ عناصر متباينة، ناهيكَ عن أنه كان مثقلاً أحياناً بتَحَيُّزاتٍ موروثة من المسيحية نفسها التي كان يُحاربُها. انظروا تصريحات فولتير عن الإسلام والمسلمين لتتأكدوا من ذلك.
لكن اتخاذ موقف نقدي من التنوير شيء وإدارة الظهر له كليةً شيء آخر.
لقد كان بونابرت، ابن التنوير الفرنسي وأحد المسهمين في ترويج أطروحاته منذ أن كان كاتباً مغموراً قبل الثورة، أكثر رهافةً في تعامله مع مكوناته، وقد تجلَّت هذه الرهافة بشكلٍ بالغ العُمق في منفاه في سانت هيلانة عندما أعاد قراءة مسرحية فولتير "محمد" وسَجَّل ملاحظاته النقدية عليها، وهذا في الوقت نفسه الذي كان يتخلى فيه عن إلحاده ويكتبُ وصيتهُ التي سَجَّلَ فيها أنه يموتُ مسيحياً!
والحال أن تحليل بونابرت للثورة المحمدية إنما يظل أوثق ارتباطاً بالحقيقة التاريخية، ولهذا السبب سوف يتبناه كارل ماركس بلا تردد، وهذا في الوقت نفسه الذي سوف يتبنى فيه جوهر فكرة فولتير عن الاغتراب الديني!
لم يكن كارل ماركس انتقائياً، بل كان أستاذاً في فن التركيب النقدي لمنجزات الفكر الإنساني التقدمي، وبهذا المعنى، سيكون إسهامه فاعلاً من جديد في زمن "عودة التاريخ" الذي نحيا الآن.
0 التعليقات:
إرسال تعليق