لوكنات باتاشاريا (x)

مدينةُ الأسلاف

انتظارٌ. خوفٌ . وماذا إن لم تحضر؟

عندما يخفتُ صوتُ الناي الأخير على الدروب، سوف تعلن أجراس المعبد عن صلاة المساء. عندئذٍ، ماذا إن لم تحضر؟ سوف تتبدد الكلمات في هذه الغرفة، سوف يشحب وجه الطفل. أتخيلُ أنها لن تحضر، حتى عندئذٍ.
ما يحاصرني هو موت أزهارٍ لا حصر لها. مَحْطَبَةُ أحلامٍ. لكن هذه الأزهار تلبثُ حيث لا يمكن لعينيَّ أن تذهبا، على الجهة الأخرى للباب، إلى البستان – أو إلى ما كان بوسعه أن يكون يوماً ما بستاناً. ليس هنا، على أية حال.
هنا، المكان محدود، منظم، كل السبل موصدة بعناية، بمحبة. والصمت يلهو، طفلاً خليَّ البال. على الجدران: صفوف من البيوت، أسوار قلعة. في الروح: اضطرام شمسٍ غاربة، مدينة ضائعة في نزواتها.

هناك، في الخارج، أهي الشمسُ التي تغربُ، الآن؟ وأجراسُ الصلاة، إن كانت تدق، فمن أي معبدٍ تدق؟ أين إذاً؟ من بعيدٍ جداً؟

وماذا إن لم تحضر؟

لم أتصل بها قط. هل تعرف فقط أين أسكن؟ أفترضُ أن لا. أنا، العنيدُ، مشيتُ دربي مغمضَ العينين حتى لا أرى إلى أين أصل أو الاتجاه الذي سرت ُ فيه وفي أيِّ ملتقى للدروب؛ ما تركته على يميني، على يساري؛ أي بيت أحمر أو أزرق. إلاَّ أنه على الطريق، بدا لي أنني أسمع موسيقى، بشكلٍ متصل. وبدا لي أيضاً، للحظة، أنني ألمس المرفأ الذي طالما اشتهيتهُ. وعندما توقف الطريق، اصطدمتُ من جهة أخرى بشيء ما وفتحت عينيَّ. رأيتُ الباب.
ما كدت أمسه حتى انفتح. عندئذ رأيت أيضاً السلم الدوار الصاعد. ثم توقف هذا السلم بدوره. باب آخر يتوجب اجتيازه. وما أن اجتزته، هذا الباب أخيراً، حتى وجدت نفسي من جديد في الغرفة.

باختصار، رأيت كل شيء دون أن أرى. وهكذا تحدثت عن البستان – أو عما كان بوسعه أو لم يكن بوسعه أن يقوم مقامه. وهكذا أيضاً طرحتُ فكرة المعبد. هذه اليقينيات وُلدتْ وأنا أمشي مغمض العينين. واليقين الآخر، الذي اتضح جيداً، بأنها تجهل أين أسكن، هذا أيضاً خطر ببالي وأنا أمشي مغمض العينين.

يحاصرني موت أزهار لا حصر لها، إنني واثق من ذلك. مَحْطَبَةُ الأحلام تتمتم بكلمات آتية من عصور منسية.

دون أن أرى كما هي الحال دائماً، دعوني مع ذلك أقول أيضاً ما يلي:

هذه مدينة الحجارة، والآثار والمآذن والأسوار حيث توجد غرفتي، في بيت بين بيوت أخرى. أسلاف تلك التي أنتظرها جاءوا هنا يوماً ما: كانوا على موعد مع موتهم. رحلة طويلة. الصرةُ على الظهر، وأخيراً، ملأَ الاشتهاءُ الحارُّ للَّيلِ أجسامَهم التي تنز عرقاً بأناشيد مثيرة للنشوة. ثم اختفوا كلهم الواحد بعد الآخر وما أن هبت عاصفة وأدى هبوب اللفحات إلى اندلاع النيران. في لون الشمس الغاربة، اختلط رمادهم بالتراب.

ولكن هل هذا سببٌ، كل هذا، لكي لا تتمكن من المجيء؟

ألهو بشكٍ وببعض اليقينيات. شيء لذيذ! خواطري تتسكع. هل ستجيء أم لن تجيء؟ أحياناً أكاد أقول لنفسي: لا, لا، أيتها المرأة، لا تجيئي، لا تجيئي! دعي أجراس الصلاة تدق ثم تصمت، منهكةً! دعي المعبد يغرق في نهر العتامة!
اليوم حملتُ أسلافكِ على كتفيَّ الهزيلتين. في هذه الغرفة، في قلب الانتظار، أبقيتهم يقظين، هنا، بين صفوف البيوت. تكفي أُذُنٌ منتبهة: بوسع المرء أن يسمع في الصمت طفلاً منشغلاً، غارقاً في نفسه: إنه يحرك لُعَباً لا أكثر.

ترجمة:
بشير السباعي
(عن الأصل الفرنسي)

(x) شاعر بنغالي – فرنسي، لقي مصرعه في حادث مأساوي على أثر زيارة إلى الأهرام.

0 التعليقات: