جيل جوانار، نصوص_1

ولد عام 1937

من "مذاق الأشياء"


عندما يتوقفُ المرءُ، في سيارة أجرة، أمام إشارة المرور المنتصبة بمحاذاةِ الأوتيل ديو، عند مدخل ساحة كنيسة نوتردام، ينفتح أفقٌ أمام النظر، هو أفقُ شارع سان جاك الذي يجدُ امتداداً له في شارع فوبورسان جاك، وراء المرتفع الذي يراه المرءُ عن بُعد. يجدُ المرءُ صعوبةً في تصديق أنه بين هذه البنايات البورجوازية التي ترجعُ إلى القرن التاسع عشر، يتأبَّدُ الدربُ الذي كانت حيوانات الماموث تجيء عبره كل يوم لترتوي من نهر السين، عند أفول النهار. من أي ارتفاع كانت تهبط إلى السهل وافر العشب؟ أكانت ترعى، على مدار النهار، بين مونتاني سانت جونفييف وفوجيرار؟ أم إنها، بخطواتها التي لم يكن ليوقفها شيء، كانت تشق مساراً عبر الغابة المتواصلة، من جبال البرانس إلى الآردين؟ ذلك ما قد يتساءل عنه المرءُ وهو مسترخٍ في قلب سيارة الأجرة التي تقودنا صوبَ أصداءٍ أخرى.



باريس، مارس 1992




المشيُ في باريس يُمَثِّلُ واحدةً من تلك الأساطير التي يحيا عليها الأدبُ الفرنسي الأغزرُ نكهةً في هذا العصر. إن أكثر من نصٍ مكتوب قد استمد من هذا الموضوع زخمه وإيقاعه. وإنها لفرحةٌ رهيفة أن يُحاول المرءُ مماشاة نظرته مع نظرة جوَّابي الأعماق الغائرة الهائمين على وجوههم والذين تمثَّلوا في ريفردي وفولان وفارج وكاليه، والذين يَتَمَثَّلون اليوم في ريدا. خطوةً خطوةً، تمحو البصماتُ معالم المسار لنغرق في هذا العالم الحسي متبدل الألوان الذي لن يخرج منه أي مشروع سالماً. وفي المدى البعيد، تتوثبُ جغرافية جديدة، مخلوقة من تضاريسنا الحميمة. لا نعودُ نحنُ من يتقدم في العالم، فالعالم هو الذي يتقدم فينا، العالم هو الذي يتماشى مع النصوص التي نكتبها.



باريس، 27 مايو 1992

ترجمة بشير السباعي

(عن الأصل الفرنسي)

0 التعليقات: