ميخائيل ليرمونتوف، قصائد_1

(1814-1841)

"عند بوشكين تطمحُ الحياةُ إلى الشعر، والفعلُ إلى التأمل، وعند ليرمونتوف يطمحُ الشعرُ إلى الحياة، والتأمل إلى الفعل"


ميريجكوفسكي


الأمواجُ والبشر



الأمواجُ تتالى موجةً إثر أخرى
تتلاطمُ وتصخبُ صخباً عميقاً،
البشرُ يمرون في حشدٍ تافهٍ
واحداً إثر آخرٍ هم أيضاً.
حريةُ الأمواجِ وبردُها أغلى عندها
من الأشعةِ الحاميةِ لرائعةِ النهار،
البشرُ يريدون صونَ أرواحهم.. فما قيمة ذلك؟
إن أرواحهم لأكثر برودةً من الأمواج!



1830-1831


"لا، أنا لستُ بايرون، أنا رجلٌ آخر"



لا، أنا لستُ بايرون، أنا رجلٌ آخر،
صفيٌ مازالُ مغموراً،
هائمٌ – مثلهُ – مضطهدٌ من العالم،
سوى أن روحهُ روسية


قبل الأوانِ بَدَأْتُ، وقبل الأوانِ أَنْتَهِي،
نادراً ما يبلغُ فكري مراده،
وفي روحي، مثلما في محيط ،
ترقدُ سُفُنُ الآمالِ المحطمة


فمن ذا الذي يقوى، أيها المحيطُ الأسيان،
على سبرِ أغوارك؟
ومن ذا الذي يُحَدِّثُ الجموعَ عن شواغلِ روحي؟
أنا – أم الرب – أم لا أحد؟



1832


الشراع


يلوحُ الشراعُ بلونهِ الأبيضِ وحيداً
في حلكةِ البحرِ العميقةِ !..
عَمَّ يبحثُ في بلدٍ بعيد؟
ما الذي هجرَ في الوطن؟..



الأمواجُ تعبثُ – الريحُ تصفرُ،
والصاري يميلُ ويصدرُ صريراً...
هيهات! إنه لا يبحثُ عن السعادةِ
ومن السعادةِ لا يهرب!

تَحْتَهُ تَيَّارُ لازَوَرْديةٍ رائقة،
فوقهُ شعاعُ شمسٍ ذهبية...
لكنَّهُ، المتمرد، يطلبُ العواصف،
كما لو أنَّ في العواصفِ تكمنُ الطمأنينة!




1832


الشاعر


بحليتهِ الذهبيةِ يلمعُ خنجري،
النصلُ جديرٌ بالثقة، لا تشوبُهُ شائبة،
فولاذهُ الدمشقيُّ تحفظهُ عراقةٌ سريةٌ،
تراثُ الشرق ِ الهازئِ بالناموس.

لأعوامٍ كثيرةٍ خدمَ فارساً في الجبال،
دونَ أن يعرفَ للخدمةِ أجراً،
ما أكثرَ الصدورَ التي خلَّفَ فيها آثاراً مريعة
وما أكثرَ الدروع التي اخترقها.


يشاركُ في اللهوِ مشاركةَ عبدٍ مطيع،
ويصلُّ رداً على الكلامِ المهين.
في تلكَ الأيامِ كانت الحليةُ الثمينة
كسوةً غريبةً عنهُ ومشينةً له.

وراء التيريك انتزعهُ قوزاقيٌّ شجاع
من جُثَّةِ سيدهِ الباردة،
وفيما بعد رقدَ مُهملاً زمناً طويلاً
في عربةِ يدِ بائعٍ أرمينيٍّ جائل

الآن رفيقُ البطلِ البائسُ،
محرومٌ من الغمدِ العزيزِ الذي استهلكتْهُ الحرب،
كلعبةٍ ذهبيةٍ يلمعُ على الحائط –
وا أسفاه – مُهاناً وغير مؤْذٍ!

لا أحد يمسحهُ أو يحنو عليه
بيدٍ مُعْتَنِيَةٍ، كما اعتاد ذلك،
والكلماتُ المنقوشةُ عليه،
لا يهتمُّ بتلاوتها أحدٌ في صلاتهِ قُبَيْلَ الفجر...
___
أَلَمْ تَفْقِد، أيها الشاعر، قيمتك،
في زمانِنا المُخَنَّثِ،
ألم تستبدل الذهبَ بتلك السلطةِ
التي كان العالم يصغي إليها بإجلالٍ خاشع؟

كان صوتُ كلماتك الجبارة الموزون
يُشعلُ حماس المُحَاربِ للمعركة،
كان ضرورياً للجموع، كالكأسِ للمأدبة،
كالبخورِ وقت الصلاة.

كالروح الإلهي، كان شِعرك يهيمن على الجموع،
وكان نداء الأفكارِ السامية
يجلجلُ، كجرسٍ على برجِ الفيتشا(*)
في أيامِ انتصاراتِ وانكساراتِ الشعب.

لكن لغتك البسيطة والفخورة أصبحت
مصدر سأمٍ لنا، -
إذ تُلهينا البهارجُ والأكاذيب،
كالجمالِ الشائخِ، اعتاد عالمنا الشائخُ
سترَ التجاعيد تحت أصباغٍ وردية...

فهل تستيقظُ من جديد، أيها النبيُّ الأضحوكة؟
أم أنكَ، عند نداءِ الثأر،
لن تستل أبداً من الغمدِ الذهبي نصلك،
الذي علاه صدأ الهوان؟




1838



(*) الفيتشا: ندوة شعبية – في روسيا القديمة – لحل المسائل الاجتماعية، وكذلك المكان الذي تنعقد فيه مثل هذه الندوة.



ترجمة بشير السباعي


(عن الأصل الروسي)

0 التعليقات: